شرح نهج البلاغه (ما سلم من شرح الوبري لنهج البلاغة) - الصفحه 46

من محدِث ؛ لظهور أَعلام الحُدوث ۱ . فهذا علمُ جملةٍ عند كلّ عاقل. ويحتمل أَنَّ الكافرَ وإِن كان منكراً بلسانه الصّانعَ ؛ فقلبُه يشهَدُ على الصّانع ؛ لأَنَّه فعلٌ محكم متقن ، والدّلالة تشبَّه بالمقرّ النّاطقِ مجازاً. ۲
قوله: لَوْ خَلَصَ الحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ.
قال الإِمام الوبريّ: لو أَنَّ الحقَّ كان يُعْلَمُ ضَرورةً لخَلُص الحقّ من مزاجِ الباطل ، لكن ما دام العلمُ نظريّاً فلا بُدَّ من جواز الشّبهةِ في ثاني ۳ الحال من العلم. فإنْ دَفَعها العالِم بتجديد النَّظر الصّائبِ في الأَدلَّة استمرّ كونه عالِماً ، وإِن لم يفعل ذلك زال علمه ، فهذا هو لبسُ الباطلِ بالحقِّ.
وكذا لبسُ الحقِّ بالباطل من هذا الوجه ؛ فإِنَّ المُبطِلَ الجاهلَ وإِن جَهِلَ الحقَّ ، واعتقد في الباطل أَنَّه حقّ ، فإِنَّه لا يجد بدّاً من الدَّواعي إِلى الحقّ ؛ لأَنَّ اُصول الحقِّ مقرَّرةٌ في العقل ، فما دام عاقلاً تعترض له نوازع الحقّ ودَواعِيه ، فلا يستمرّ في كلّ أَحواله خِلواً عن الحقّ ، حتّى يخلصَ عنده الباطلُ والخطأُ عن كلِّ حقٍّ وصواب، فهذا لبس الحقّ بالباطل. ۴
قوله: الَّذِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالاً.
قال الإِمام الوبريّ: المرادُ بكونه ۵ أَوّلاً أَي قديمٌ لا أَوَّل لوجودِه ، وكونه آخراً معناه أَنَّه موجود حين يعدم سائر الأَشياء. وإِنَّما يكونُ موجوداً حينئذ لكونه قديماً، فكونه أَوّلاً وآخراً فائدتُه واحدة ، وهو أَنَّه قديم يجب وجوده في كلِّ حال، ووجوده في كلِّ حال وجودٌ واحد ، إِلاَّ أَنَّ اللَّفظ يتغيَّر بالأَوَّل والآخر. واللَّفظ منسوبٌ إِلى غيره ،

1.في «خ» و «د»: الحَدَث ، والتَّصويب من «ح» (ج ۱، ص ۳۰۲) .

2.معارج ، ص ۳۳۲.

3.كذا.

4.في «خ» و «د»: بقولنا: أوّلاً ، وهو خطأ ؛ ويدلّ عليه قوله: «وكونه آخراً» .

الصفحه من 80