النفاق - الصفحه 14

ويكتم ارتداده ، كما مرّت الإشارة إليه في قوله تعالى‏ : (ذلكَ بأنَّهُم آمَنوا ثُمَّ كَفَروا ...)۱ الآية ، وكما يظهر من لحن مثل قوله تعالى‏ : (يا أيُّها الّذِينَ آمَنوا مَن يَرْتَدَّ مِنْكُم عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يأتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ)۲ .
وأيضاً الذين آمنوا من مشركي مكّة يوم الفتح لا يؤمن أكثرهم أن لا يؤمنوا إيمان صدق وإخلاص، ومن البديهيّ عند من تدبّر في حوادث سني الدعوة أنّ كفّار مكّة وما والاها - وخاصّة صناديد قريش - ما كانوا ليؤمنوا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله لولا سواد جنود غشيتهم وبريق سيوف مسلّطة فوق رؤوسهم يوم الفتح ، وكيف يمكن مع ذلك القضاء بأنّه حدث في قلوبهم - والظرف هذا الظرف - نور الإيمان وفي نفوسهم الإخلاص واليقين فآمنوا باللَّه طوعاً عن آخرهم ولم يدبّ فيهم دبيب النفاق أصلاً ؟!
وأمّا ثانياً : فلأنّ استمرار النفاق إلى‏ قرب رحلة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وانقطاعه عند ذلك ممنوع . نعم ، انقطع الخبر عن المنافقين بالرحلة وانعقاد الخلافة وانمحى‏ أثرهم ، فلم يظهر منهم ما كان يظهر من الآثار المضادّة والمكائد والدسائس المشؤومة .
فهل كان ذلك لأنّ المنافقين وفّقوا للإسلام وأخلصوا الإيمان عن آخرهم برحلة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وتأثّرت قلوبهم من موته ما لم يتأثّر بحياته ؟ أو أنّهم صالحوا أولياء الحكومة الإسلاميّة على‏ ترك المزاحمة بأن يسمح لهم ما فيه اُمنيّتهم مصالحة سرّيّة بعد الرحلة أو قبلها ؟ أو أنّه وقع هناك تصالح اتّفاقيّ بينهم وبين المسلمين فوردوا جميعاً في مشرعة سواء فارتفع التصاكّ والتصادم ؟
ولعل التدبّر الكافي في حوادث آخر عهد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله والفتن الواقعة بعد رحلته يهدي إلَى الحصول على‏ جواب شافٍ لهذه الأسئلة .

1.المنافقون : ۳ .

2.المائدة : ۵۴ .

الصفحه من 16