145
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

والرفق يُقْبل إليه بالقلوب فهو كالوالد الرؤوف ، و«البرّ» سبب اجتلاب الإخوان إليه ، وروي : «وَاللِّين أخوه» ، وإنّما جعله أخاه لأنّه يفيده مؤاخاة الأخوان . والصبر ملاك أمره ، به يبلغ الآداب وهو متقدّم عليها .
فهذا الخبر حثّ على سبع خصال ؛ وهو أن يتّخذ المؤمن العلم حبيباً وصاحباً فإنّه لا يخون بل يصون ، والحلم وزيراً فإنّه نِعمَ المعاون والمؤازر ، والعقل دليلاً فإنّه يدلّه على مَصالحه ومفاسده ومنافعه ومضارّه ، والعملَ قائداً يقوده إلى الجنّة ، والرفقَ والداً فإنّه يأمرك بصلاحِ دينك ودُنياك ، والبرَّ ـ وهو الإحسان والمعروف ـ أخاً لأنّه كالأخ الشقيق والمحبّ الشفيق، يُزيّنه ويحبّبه ۱ إلى العدوِّ والصديق ، والصبرَ أميراً على الكلّ ، جعله أميراً على جنوده لأنّه بمنزلة الأمير على الجند ؛ لصعوبته ومشقّته على الصابر ، فإذا كان صابراً على الطاعة وعن المعصية كان صبره أميراً على أعضائه وجوارحه، تطيعه على مصالحه ولا تَعصيه في اجتناب مفاسده ، فالمؤمن موفَّق بقوَّة الصبر ، والبرُّ يعاونه ؛ وكما أنّ الولد يعيش برفق والده ، وأنّ ۲ المؤمن يعيش برفق نفسه .
و«القائد» : الذي يهيئ اُمور الجيش، فعمل المؤمن يهيئ اُموره في القيامة ، وإذا دلَّه العقل على أمر يأتي به ولا يستنكف عنه . والوقار والرزانة ملجأه الذي يعود إليه في اُموره، والوزير الذي يتحمّل إليه أثقال الملك ؛ وما في الدنيا خصلة من خصال الخير توازي العلم ، ففيه شرف الدنيا والآخرة ، وبه الخلاص من النار والوصول إلى دار القرار ، وهو عزيز الخُلَّة لا يخالُّ كلّ أحدٍ ، بل يطلب قلباً تقيّاً وبدناً نقيّاً وصاحباً رضيّاً مرضيّاً .
وإنّما جعل الحلم وزيراً له لأنّه إذا كان حليماً لم يكن طائشاً طيّاراً ، يتأمَّل في العواقب ، ويرتدع عن كثير من المفاسد ممّا يوقعه في آفات الدنيا وعذاب الآخرة ، و«الوزير» فعيل بمعنى مفاعل ، و«العقل» عبارة عن مجموع علوم إذا اجتمعت

1.في المخطوطة : «يحبّه» ، وهو تصحيف ظاهرا .

2.يقرأ في المخطوطة : «عزّ» ويقرأ أيضا : «وعن» وليس لهما معنى محصّل.


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
144

۱۱۲.شَرَفُ المُؤمِنِ قِيامُهُ بِاللَّيلِ ، وَعِزُّهُ استِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ . ۱

يقول : إذا أردت أن تكون شريفاً عزيزاً فاستغن عن الناس وصلّ بالليل ؛ فإنّ من اعتاد صلاة الليل يحبُّه اللّه ويشرِّفه على سائر خلقه الذين لا يقومون لصلاة الليل ؛ فكأنَّه عليه السلام قال : ليس الشَّرَف ما تظنّونه من شرف الحسب وكرم النَّسَب وعزّ الجمال ، بل شرف كلّ مؤمنٍ يقوم بالليل صلاةُ الليل .
وفي الخبر : «أنّ الرَّجل إذا قام لصلاة الليل باهى اللّه به ملائكته» . ۲
وقال الصادق عليه السلام : «من عمّر أوّل الليل خرّب آخره»۳ ، يعني : مَن عمّره بالسَّهَر للسَّمَر خرَّب آخره بالنَّوم .
وأمّا عزّ[ ه ] ففي القناعة وأن يغني نفسه عن الناس ويتنزّه عن السؤال ؛ فإنّه مذلّة .
وقال علي عليه السلام : «من استغنيت عنه فأنت شريكه ، ومن طمعت فيه فأنت أسيره» . ۴

۱۱۳.العِلْمُ خَلِيلُ المُؤْمِنُ ، والحِلْمُ وَزِيرُهُ ، وَالعَقْلُ دَلِيلُهُ ، وَالعَمَلُ قَائِدُهُ ، وَالرِّفْقُ وَالِدُهُ ، وَالبِرُّ أَخُوهُ ، وَالصَّبْرُ أَمِيرُ جُنُودِهِ . ۵

أي : إنّه يأنس بالعلم من الوحشة كالخليل بالخليل ، ويقوى بالحلم على الاُمور ، وبالعقل يهتدي في ظُلَم المشكلات فهو كالدَّليل ، والعمل تقوّم زلله كالقائد والقيّم ،

1.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۱۲۱ ، ح ۱۵۱ ؛ تاريخ بغداد ، ج ۴ ، ص ۲۲۹ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۱۲ ، ص ۹۲ ؛ الجامع الصغير ، ج ۱ ، ص ۱۹ ، ح ۸۹ . الأمالي للصدوق ، ص ۳۰۴ ، ح ۵ ؛ الخصال ، ص ۷ ، ح ۲۰ (مع اختلاف يسير فيهما) ؛ روضة الواعظين ، ص ۴۸۸ ؛ جامع الأخبار ، ص ۱۷۸ ، ح ۲ .

2.راجع : الأمالي للصدوق ، ص ۵۸۹ ، ح ۱۴ ؛ أعلام الدين ، ص ۲۶۲ ؛ روضة الواعظين ، ج ۱ ، ص ۱۲۸ .

3.راجع : السرائر لابن إدريس ، ج ۱ ، ص ۳۰۷ ؛ الينابيع الفقهية ، ج ۴ ، ص ۷۲۸ .

4.راجع : مصباح الشريعة ، ص ۱۰۶ ؛ بحارالأنوار ، ج ۷۰ ، ص ۱۶۹ ، ح ۶ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ۱۲ ، ص ۷۰ ، ح ۱۳۵۳۷ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۶۷ ، ص ۱۸۴ .

5.مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۱۲۲ ، ح ۱۵۲ و ۱۵۳ ؛ نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ، ص ۶۴ ، ح ۵۰ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۶۳ ، ص ۳۸۸ ؛ الجامع الصغير ، ج ۱ ، ص ۴۴۳ ، ح ۲۸۸۱ ؛ كنزالعمّال ، ج ۱۰ ، ص ۱۳۳ ، ح ۲۸۶۶۳ (مع الاختلاف في الأربعة الأخيرة) . الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۷ ، ح ۱ ؛ الأمالي للصدوق ، ص ۵۹۲ ، ح ۱۷ ؛ الخصال ، ص ۴۰۶ ، ح ۱ ؛ كتاب التمحيص ، ص ۶۶ ، ح ۱۵۴ (وفي الأربعة الأخيرة عن الإمام الصادق عليه السلام ) ؛ المجازات النبويّة ، ص ۱۹۵ ، ح ۱۵۲ (وفي الخمسة الأخيرة ليس بعض الفقرات) .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    المؤلف :
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق: سليماني الاشتياني،مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 215902
الصفحه من 627
طباعه  ارسل الي