شرح حديث « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » - صفحه 152

على أنّ المضاف غير المضاف إليه، فقول: عقلي و روحي و قلبي و فؤادي و يدي ورجلي وبدني و جسمي دليل واضح على أنّ المضافات كلّها في تلك المذكورات غير المضاف إليه، فالمضاف إليه فيها كلّها وهو ياء المتكلّم دالّ على الإنسان المالك لجميع تلك المضافات من العقل والروح والنفس والقلب واليد والرجل وسائر الأعضاء، فتعبير الإنسان عن العقل والروح وغيرها فهو مجرّد تعبير بالمجازيّة والكناية، لما عرفت.
فبالجملة إنّ الإنسان حقيقته لايمكن معرفته، فكذلك ربّه وخالقه لايمكن معرفته بكنهه. فذلك معنى قوله عليه السلام «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» أي من عرف حقيقته فقد عرف ربّه، لايمكن فكذلك ذلك لايمكن ،فافهم.
الثاني: أنّه يعني «من عرف نفسه» أنها محتاج صرف من جميع الجهات في كلّ الحالات، فيعرف من ذلك أنّ المحتاج يحتاج إلى غيره الأكمل من ذلك، لأنّه بديهيّ أنّ المحتاج لابد له من المحتاج إليه، ثمّ المحتاج إليه لايخلو إمّا صفته ذلك وإمّا الغناء والاستغناء عن ذلك من جميع الجهات، فالأوّل كالأوّل فهو أيضا يحتاج إلى آخر فهلّم جرّا فيتسلسل وهو باطل. فبطل الأوّل فبقي الثاني و هو أن يكون المحتاج إليه غنيّا مطلقا من جميع الجهات، فهو ليس إلاّ الواجب بالذات. فحينئذ عرف الواجب بمعرفة النفس، وكذلك عرف كونه غنيّا مطلقا وبها عرف كون النفس محتاجا محضا بها، فذلك معنى قوله ـ عليه السلام ـ «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» فافهم.
الثالث: أنّه يعني «من عرف نفسه» أنّها أثر و مخلوق وليس موجودا بالذات بل موجود بالغير، يعرف بذلك أنّه لابد له من مهثر و موجد و خالق، و ذلك معنى قوله ـ عليه السلام ـ «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» لأنّ معرفة النّفس حينئذ صار سببا لمعرفة الربّ، فالنّفس حينئذ يصير دليلا لمعرفة الرّبّ وآية لها، وذلك قوله(ع) «البعرة تدلّ على البعير ،وأثر الأقدام يدلّ على المسير» ۱ فافهم.
الرابع: أنّه «من عرف نفسه» أنّها قد تغلب على عقله، وقد يغلب عقله على نفسه، ففي الأوّل يفعل القبيح وفي الثاني يفعل الحسن، و في الأوّل يملّ وفي الثاني يسرّ

1.بحارالأنوار، ج۳، ص۵۵ و ج۶۹، ص۱۳۴

صفحه از 167