المكنون في حقائق الكلم النبوية - صفحه 265

القرآن وحججه، وأردفتُها تفسير المشايخ بعض أحاديثه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وذكرتُ بعدها ما فسّر أبوسليمان الخطّابيّ رحمه الله ۱ من الحديث الذي وافق مقالة مشايخ العارفين فى بيان هذه الإشارات؛ ليكون لنا فيما رسمتُ من حقائق تفسير الحديث حجّة، وعلى من أنكر لطائف إشارات الصوفية في الألفاظ النبويّة صكّةً ۲ ولأعناقهم دكّةً ۳ .
فإنْ قال قائل منهم: هل يكون للاستنباط في هذه الأحاديث التي أوردتَها دليلٌ من العلم؟
فأقول : نعم، قول النبيّ صلى الله عليه و سلم لأصحابه وهم عنده مجتمعون، وفيهم عبداللّه بن عمر رضياللّه عنهما وهو أحدثهم سنّا، فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم : أيّ شجرة تشبه ابن آدم من الأشجار؟ قال: فوقع الناس في أشجار الأودية، ووقع في قلبي أنّها النخلة، واستحييت أنْ اُجيب رسول اللّه صلى الله عليه و سلم فسكتُّ. حتى قال عليه السلام : إنّها النخلة. فقلت: نعم، لقد كدت أن أقول إنّها النخلة، فهبتُ رسول اللّه صلى الله عليه و سلم فقال صلى الله عليه و سلم «لئن قلت ذلك كان أحبّ إلىّ من حمر النعم ». ۴ فيه بيان خالص للاستنباط . إذ اختار النبىّ صلى الله عليه و سلم من جميع الأشجار شجرة النخل وشبّهها بابن آدم، ثمّ عرض إشارته فيها على أصحابه ليجرّب استنباطهم وإدراك مراده. والحجة في ذلك أنّ أحدا لم يستنبط من أصحابه معنى ما سألهم عنه رسول اللّه صلى الله عليه و سلم إلا عبداللّه بن عمر هُو أصغرهم سنّا .
كذلك الاستنباط في هذه الأحاديث على مقدار ما يفتح اللّه على قلوب أوليائه من غيبه. وحكمة تشبيه النبيّ صلى الله عليه و سلمالنخلة بابن آدم أنّ جميع أجزائها سبب منافع

1.أبوسليمان أحمد بن الخطّابيّ المتوفى سنة ۳۳۸ق .

2.صَكَّهُ، صَكّا : إذا ضرب قفاه ووجهه بيده مبسوطةً «المصباح المنير».

3.الدكّ: الدقّ، و قد دكّه: إذا ضربه و كسره حتى سوّاه بالأرض .

4.مسند أحمد ، ج۱ ، ص۵۴ ، فيه: « . . .واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم . . .» .

صفحه از 363