كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشدّ من تظاهرهم بها للعامّة ؛ فإنّهم كانوا يتألّفون ۱ العامّة ويجالسونهم وينقلون عنهم ويظهرون لهم أنّهم منهم خوفاً من شوكتهم ؛ لأنّ حكّام الضلال منهم ، وأمّا هؤلاء المخذولون فلم يكن لأصحابنا الإماميّة ضرورة وتقيّة ۲ إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال وخصوصاً الواقفة ۳ ؛ فإنّ الإماميّة كانوا في غاية الاجتناب لهم والتباعد عنهم حتّى أنّهم كانوا يسمّونهم [ بـ ]الممطورة ، أي : الكلاب الّتي أصابها المطر ، وأئمّتنا عليهم السلام كانوا ينهون ۴ شيعتهم عن مجالستهم ومخالطتهم ، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة ، ويقولون : إنّهم كفّار مشركون زنادقة ، وإنّهم شرّ من النواصب ، وإنّ من خالطهم فهو منهم ، وكُتُب أصحابنا مملوّة من ذلك كما يظهر لمن تصفّح كتاب الكشي وغيره ، انتهى ۵ .
فظهر أنّ مثل ابن أبي عمير الّذي هو من أجلاّء الإماميّة لا يروي عن مثل البطائني الّذي عرفت مجملاً من أحواله ، فالمراد به الثمالي الثقة وهو يروي عن أبي بصير المرادي .
قال المحقّق الداماد في حواشيه على الكشي منوطاً على قوله في أحوال أبي ذرّ رضى الله عنه : جعفر بن معروف قال : حدّثني الحسن بن عليّ بن النعمان قال : حدّثني أبي ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ما نصّه :
قوله : جعفر بن معروف ، ذكره الشيخ في باب لم ۶ وقال : يكنّى أبا محمّد من أهل كش وكيل ۷ ـ وساق الكلام إلى أن قال : ـ وعليّ بن أبي حمزة الثمالي لا البطائني ؛ لكون عليّ بن النعمان الأعلم أكثري الرواية عنه ، وأبو بصير هو ليث ابن البختري المرادي ويقال له أبو بصير الأصغر لا يحيى بن القاسم المكفوف لرواية ابن أبي حمزة الثمالي عنه ، فالطريق نقيّ حسن بعليّ بن أبي حمزة ، بل صحيح على ما ستعلمه إن شاء اللّه العزيز ۸ .
قلنا : هذا كلام ناش عن قلّة التتبّع والتأمّل ؛ فإنّ الّذي يظهر من الشيخ والنجاشي أنّ
1.في المصدر : يتلقون .
2.في المصدر : «داعية» بدل «وتقية» .
3.في المصدر : وسيّما الواقفية .
4.في المصدر : لم يزالوا يمنعون .
5.مشرق الشمسين ، ص۵۸ ـ ۶۱ .
6.رجال الطوسي ، ص۴۵۸ .
7.اختيار معرفة الرجال ، ج۱ ، ص۱۱۸ .
8.اختيار معرفة الرجال ، ج۱ ، ص۱۱۹ .