وأمّا ما قاله ابن الغضائري الجرّاح من أنّ أبا عبداللّه عليه السلام كان يتضجّر به ويتبرّم ۱ ، فلو سلّمناه لعلّه لما شاهدوا منه عليه السلام من إظهار ذلك وقدحه وذمّه ، ولذا اختلفوا في شأنه ووقع الطعن في دينه ، والظاهر أنّ صدور القدح والذمّ من الإمام عليه السلام في مثل ليث ونظرائه من رؤساء أصحاب الأئمّة وخواصّهم ومشاهيرهم لا يقدحهم ، وإنّما هو لرفع الأذى عنهم .
وقد روي أنّ الإمام أبا عبداللّه عليه السلام كان يلعن زرارة على المنبر ، وابنُه عبيد تحت المنبر ، فإذا نزل قال عليه السلام لعبيد بن زرارة : أبلغ أباك السلام وقل له : هذا اللّعن رحمة لك ؛ لئلاّ تعرف بالرفض فيقتلوك ۲ .
وقد روي في الصحيح أنّ أبا عبداللّه عليه السلام أرسل إليه : إنّما أعيبك دفاعاً منّي عنك ؛ فإنّ الناس والعدوّ يسارعون إلى كلّ من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبّه ونقرّبه ، ويذمّونه لمحبّتنا له وقربه ودنوّه منّا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ، ويحمدون /41/ كلّ من عبناه ؛ فإنّماأعيبُك لأنّك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند النّاس ، فيكون ذلك دافع شرّهم ؛ لقول اللّه عز و جل : « أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً »۳ هذا التنزيل من عند اللّه [ صالحة ] لا واللّه ما عابها إلاّ لكي تسلم من الملك ، فافهم المثل يرحمك اللّه ؛ فإنّك واللّه أحبّ النّاس إليّ ، وأحبّ أصحاب أبي إليّ حيّاً وميّتاً ؛ فإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام [ الزاخر ] ، وإنّ من ورائك لملكاً ظلوماً غصوباً يرغب في عُبور كلّ سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليغصبها وأهلها ، فرحمة اللّه عليك حيّاً ، ورضوانه عليك ميّتاً ۴ .
ولنعم ما قال شيخنا المحدث كنز الأخبار ومنبع الآثار السيّد نعمة اللّه الجزائري ـ قدّس اللّه روحه ـ في شرح الاستبصار ۵ ، وهذا الخبر الصّحيح يأتي على جميع ما ورد من
1.انظر : خلاصة الأقوال ، ص ۱۳۷ .
2.انظر : تاريخ آل زرارة ، ج ۱ ، ص ۶۶ .
3.سورة الكهف ، الآية ۷۹ .
4.تاريخ آل زرارة ، ج ۱ ، ص ۶۷ ؛ اختيار معرفة الرجال ، ج ۱ ، ص ۳۴۹ ، رقم ۲۲۱ ؛ جامع الرواة ، ج ۱ ، ص ۳۲۵ .
5.كتاب كشف الأسرار في شرح الاستبصار ، تحقيق السيد طيب الموسوي الجزائري ، طبع مجلدان منها في مؤسسة دارالكتاب بقم المشرفة ، ولم أعثر على هذا الخبر وإشارة السيد الجزائري بها في المجلدين الموجودين ؛ ونقل عنه في حاوي الأقوال ، ص۳۴۴ (المخطوط) .