يذكرون ذلك مع الغلوّ ، والّذي أذهب إليه عدم ظهور ذلك في ما قال إلاّ بقرينة ، كما قال النجاشي رحمه الله وغيره في عليّ بن صالح بن محمّد بن يزداد : سمع فأكثر ، ثم خلط في مذهبه ۱ .
ويمكن أن يكون المراد به ۲ إذا كان مطلقاً : من لا يبالي عمّن يروي وممّن يأخذ ، وإنّما يجمع بين الغث والثمين كما اختاره بعض أفاضل المتأخرين ؛ فإنّ الّذي يستفاد من ملاحظة كتب الرجال أنّهم تارة يريدون بالتخليط الجمع بين روايات العامّة وأخبار الخاصّة ، كما قاله المولى التقي المجلسي رحمه الله في شرح مشيخة الفقيه بعد أن نقل عن النّجاشي رحمه الله في أبي المفضّل محمّد بن عبداللّه الشيباني :
كان سافر في طلب الحديث عمره ، أصله كوفي ، وكان في أوّل أمره ثبتاً ثمّ خلط ، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه ، له كتب كثيره : منها كتاب مزار الحسين عليه السلام ، رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ، ثمّ توقفت عن الرّواية عنه إلاّ بواسطة بيني وبينه . ۳ انتهى ما هذا لفظه .
الظاهر أنّ توقّفه باعتبار صغر سنّه وعدم ضبطه في ذلك الأوان كعليّ بن الحسن وتقدّم ، ويمكن أن يكون ملاقاته في كبر سنّه عند ما صار مخلّطاً ، فتركَ هذه الروايات وروى عن جماعة رووا عنه حال كونه ثبتاً ، والظاهرأنّ تخليطه باعتبار ضمّ روايات العامة مع روايات الخاصّة ، وكان أصحابنا فيه على مذهبين : فبعضهم كان يعتقد ذلك حَسَناً للتأييد ، وبعضهم كان يعتقد ذلك قبيحاً ، كما روي في بعض الأخبار من النهي ، ومن أنّه يؤيّد خلاف الحقّ /50/ ، وعلى هذا أيضاً لا يضرّ ؛ لبيان وجه التقية في بعض الأخبار ، والمتأخرون من أصحابنا يجوّزون ذلك ، وكتبهم مملوّة من أخبار العامّة ؛ لأحد الوجهين ، أو للردّ عليهم ، وهذا لا يوجب القدح عندهم ، واللّه تعالى يعلم . ۴
انتهى كلام المجلسي رحمه الله ، وقد أشار إلى مثل ذلك أيضاً في أوائل هذا الشرح .
1.رجال النجاشي ، ص ۲۷۰ ، رقم ۷۰۷ ؛ خلاصة الأقوال ، ص ۲۳۵ ، رقم ۲۵ ، عنهما : جامع الرواة ، ج ۱ ، ص ۵۸۷ .
2.قال شيخنا الطريحي رحمه الله في مجمع البحرين : الاختلاط بالشيء : الامتزاج به ، سواء كان مع التمييز وعدمه . ثم قال رحمه الله : والمخلّط : هو الذي يحبّ عليّا عليه السلام ولا يبرأ من عدوّه ، ومن هذا الباب قول بعضهم : إنّ صاحبي كان مخلّطا ، كأن يقول طورا بالجبر وطورا بالقدر ، وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه . منه دام ظله . انظر : مجمع البحرين ، ج۱ ، ص۵۳۸ .
3.رجال النجاشي ، ص۳۹۶ .
4.روضة المتقين ، ج ۱۴ ، ص ۴۴۰ .