رسالة في أحوال أبي بصير - صفحه 502

الوسوسة في أمثال هذه المسألة ممّا جرت فيها طريقة أهل الحق على مخالفة أهل الباطل ـ بل عُدّ من الاُمور المخصوصة بالفرقة الحقّة في مقابل مخالفيهم ـ من سُوء الاستنباط .
ثمّ من جملة ما يمكن أن يستفاد القدح في هذا الراوي الجليل ما حكاه الإربلي في كشف الغمّة عن إسحاق بن عمّار قال : أقبل أبو بصير مع أبي الحسن ـ يعني الكاظم عليه السلامـ من المدينة يريد العراق ، فنزل زبالة فدعى بعلي بن أبي حمزة البطائني ، وكان تلميذاً لأبي بصير ، فجعل يوصيه بحضرة أبي بصير فقال : يا علي ، إذا صرنا إلى الكوفة تقدّم في كذا . فغضب أبو بصير ، فخرج من عنده فقال : [ لا واللّه ] ما أرى هذا الرّجل وأنا أصحبه منذ حين ، ثمّ يتخطّأني بحوائجه إلى بعض غلماني ! فلمّا كان من الغد حمّ أبو بصير بزبالة ، فدعى بعلي بن أبي حمزة فقال : أستغفر اللّه ممّا حلّ في صدري من مولاي ، ومن سوء ظنّي أنّه كان قد علم أنّي ميّت ، وأنّي لا ألحق بالكوفة ، فإذا أنا متّ فافعل بي كذا وتقدّم في كذا ، فمات أبو بصير بزبالة ۱ .
والوجه الّذي يمكن أن يتخيّل في مقام القدح فيه ما صدر منه من سوء الأدب من قوله عند التعبير عن شخص الإمام بقوله «هذا الرّجل» ، وأيضاً ما صدر منه من الغضب مع أنّ فعل الإمام ممّا لا يجوز المناقشة فيه من أهل الحقّ .
لكن يمكن الجواب عنهما : بأنّ تعبيره بقوله «هذا الرّجل» ليس صادراً عنه على وجه التحقير والإهانة ، بل هذا شيء قد يقال في مقام إظهار الشكاية والتضجّر عن عمل شخص من الأصدقاء والأحبّاء والخلطاء ، ومنشأ ضيق الصّدر عن أمر يكرهه ويتنفّر عنه طبعه ، كما أنّ الغضب أيضاً ينشأ من ذلك .
لكن الظاهر من استغفاره وقوله «أستغفر اللّه ممّا حلّ في صدري من مولاي ومن سوء ظنّي» بعد ندامته والتفاته بما اشتبه عليه من الأمر أنّه علم من نفسه أنّ ما صدر عنه كان من الخطايا والمعاصي ، ولذا قال بعضهم : وهذا الحديث وإن كان ينافي الوقف ظاهراً ، إلاّ أنّه يظهر منه قدح عظيم فيه ، لكنّه غير مضرّ بالنّسبة إلى أحاديثه ، لكن هذه الحالة في آخر عمره ، ولم يلبث إلى أن مات . والّذي أراه أنّ استغفاره باعتبار ما توهّمه

1.كشف الغمة ، ج ۳ ، ص ۳۹ .

صفحه از 503