شرح حديث حقيقت - صفحه 337

ثم لم يقنع كميل بمرتبة حق اليقين ، و التمس منه حقيقة حق اليقين ، فأجاب عليه السلام : نُورٌ يَشْرقُ مِنْ صُبْحِ الْأَزلِ ، فَيَلُوح عَلى هَياكِلِ التَّوْحيدِ آثارُه . يعني : مَن ينفي الاثنينية ، و يتمكن من التوحيد الحقيقي ، و لم يَرَ في الوجود سوى اللّه المعبود ، تجلّى عليه الحق بصفاته الذاتيّة ، و عند ذلك يكون عبدا ربانيّا ، و إن كان بين الخلق يكون مع الحق و الحق معه ؛ فبالحق يسمع ، و به يبصر ، و به ينطق ، و به يبطش ؛ كما ورد في الحديث: لايزال العبد يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحبَبتُه ، فإذا أحبَبتُه كنتُ له سمعا و بصرا و لسانا و يدا ، فبي۱يسمع ، و بي يبصر ، و بي ينطق ، و بي يبطش۲.و قوله عليه السلام : نُورٌ يَشْرُقُ مِنْ صُبْحِ الْأَزلِ ، فَيَلُوح عَلى هَياكِلِ التَّوْحيدِ آثارُه ، إشارة إلى هذا .
فالنور الذي يشرق من صبح الأزل هو كناية عن الحقيقة ، و هياكل التوحيد عن السُلاّك الواصلين إلى الحق المشرقين /ص 347/ بتجلّي الصفات الذاتية .
و لفظ «آثاره» إشارة إلى أنه لايكون نور الحقيقة على الدوام ، بل يكون آثاره متجلية عليهم بالدوام .
ثم جاوز كميل حدّ المعرفة ، و كاد يشرع في مقامٍ لو طار طائر لاحترق جناحه . و لمّا سأل الزيادة عن هذه المرتبة التى هى مرتبة الوصول ، أجاب عليه السلام عنه: أَطْفِ السِّراجَ ؛ فإنَّ الصُّبْحَ قَدْ طَلَعَ ، و منع عن هذا .
و اعلم أنّ هذه المرتبة آخر مراتب الكمال و السلوك ، و «ليس وراء عبّادان قرية» ، و هى مرتبة الوصول ، و لهذه المرتبة بداية و وسط و نهاية ؛ فالنهاية لمحمدٍ صلى الله عليه و آله ، و الوسط لعليٍّ عليه السلام ، و البداية لمريديه و متّبعي آثاره على وجه الشريعة و الطريقة ، حذو النعل بالنعل و القُذَّة بالقذَّة ، نيابة عنه .
فالمريد يأخذ المعارف و الحقائق من الوليّ و الوليّ يأخذ من النبيّ و النبيّ يأخذ من الحقّ . و هذه المرتبة العليّة موجودة لاُمّة محمد صلى الله عليه و آله ، و لذا كانوا خير الاُمم ، و تمنّى

1.في الأصل : وبي .

2.ورد صدر الرواية في عوالي اللئالي ، ابن أبي جمهور الأحسائي ، ج۴ ، ص۱۰۳؛ الجواهر السنية ، شيخ حر العاملي ، ص ۱۲۱ . وذيله في : بحار الأنوار ، ج ۵ ، ص ۲۰۷ .

صفحه از 338