إيقاظُ الوَسنان - صفحه 194

فهذا عمل بعيد عن الموضوعيّة، إذ كيف يريد الحكم على روايات لم تبلغهُ، ولم يعرفها، ولم يقف عليها، فلعلَّ أنّ لها أسانيد اُخرى صالحة ترفَعها من الضعف الى القوّة؟!
مع أنّ علماء المصطلح صرّحوا بأنّه ليس لأحدٍ أن يحكم على متن ـ رُوي بإسناد ضعيف ـ بالضعف بقول مطلق؟ بل له أن يقول «ضعيف بهذا الإسناد» فلعلّ له سنداً آخر ليس فيه ضعف ۱ .
وقد عاب التاج السُبكي على مَنْ ذكر في كتابه أسماء مَنْ ليسوا من الرواة عنده، إلاّ أن يرى أنّ القدح في هؤلاء من الديانة، وهذا بعينه التعصُّب في المعتقد! ۲ .
فإذا كان ابن حجر بريئاً من التعصّب بعينه، وبنى «لسانه» على «قاعدة العدل والانصاف والموضوعية» فكيف يورد رواة الشيعة ـ ممّن لارواية لهم عنده ـ في الضعفاء؟!
ثالثاً: ليس كلّ المذكورين في كتب الرجال الشيعيّة، هم ـ بالضرورة ـ من الشيعة، بل تختلف المؤلّفات الرجالية في مناهج وضعها، فكتاب الرجال، للشيخ أبي جعفر الطوسيّ ـ مثلاً ـ مبناه على ذكر أسماء الرواة للحديث في التراث الشيعي عن النبي صلّى الله عليه و آله والأئمة المعصومين عليهم السّلام ، ورتّبهم على الطبقات، من دون التزام بانتمائهم الى مذهب معين، ولا التزام بالتوثيق والتضعيف، وإنّما غرضه الوحيد معرفة الطبقات ۳ .
فليس إيراده لاسم الرجل دليلاً على كونه شيعيّاً، فضلاً عن الوثاقة، فلعلّه يكون عاميّاً، أو ضعيفاً، فإنّا نجد فيه، وفي طبقة الرواة عن النبي صلّى الله عليه و آله مثل «أبي بكر بن أبي قحافة» و«عمر بن الخطاب» ممّن أمرهم مشهور وحالهم معروف.
فكيف يحكم ابن حجر بمجرد ذكر الطوسي لرجل، بكونه ضعيفاً ويورده في الضعفاء في «لسانه» فلعلّ الرجل هو عاميّ أو هو ضعيف عند الطوسي؟!
إنّ بُعْدَ تصرف ابن حجر، هذا، عن الموضوعية، أمر واضح للمنصفين، كما هو خارج عن المنهج العلميّ الرصين.

1.علوم الحديث، لابن الصلاح (ص ۱۰۲ - ۱۰۳) ومنهج النقد ۰ص ۲۹۰).

2.قاعدة في الجرح والتعديل (ص ۱۶).

3.شرحنا طرفاً من منهج الشيخ في الرجال، في بحث «باب من لم يرو..» المنشور في مجلة (تراثنا) العدد (۷ - ۸) السنة الثانية ۱۴۰۷.

صفحه از 215