شرح نهج البلاغه(ما سلم من شرح الوبري لنهج البلاغة) - صفحه 59

قوله: فَتَمّ خلقُه بأَمرِهِ.
وقال الإِمام الوبريُّ: تَمّ خلقُه أَي كُلُّ شيءٍ خَلَقَه ـ على تمامِ ما يَصلُح له ـ منقادٌ غيرُ ممتنعٍ من إِمضاءِ أمرِه فيه.
والأَمرُ: القضاءُ في قوله: «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الْأَرْضِ»۱ .
والأَمرُ : القِيامةُ في قوله تعالى: «أَتَى أَمْرُ اللَّهِ»۲ .
والأَمرُ : الدّين في قوله: «وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ»۳ أَي دِينُ اللّه .
والأَمرُ: العذابُ في قوله: «وَ قَالَ الشَّيْطَـنُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ»۴ .
ومصيرُ جميعِ هذه الاُمورِ إلى اللّه في قوله: «أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ»۵ . ۶
قوله: فَسُبحانَ البارِئ لِكُلِّ شَيءٍ على غَيرِ مِثالٍ خَلاَ مِن غَيرِهِ.
قال الإِمام الوبريّ: هذا بيانٌ واضحٌ أَنّ ما أَحكَمَه وأَتقَنَه من أَفعالِه لا يجوزُ اختراعُه من غيرِ علمٍ به في حالِ عَدَمِه ، ولا يصحّ الاحتذاءُ فيه بمثالٍ من جهتِه ؛ لحاجةِ المثالِ إِلى كونِه عالِماً . ولو لم يكن عالِماً بالمعدومِ مفصَّلاً ، فيجب أَن يكون ذلك المثالُ من فعلِ غيرِه حتّى يحتَذِيَ هو به ، فيكون فعلُه علماً. وذلك الغيرُ لابدّ من أَن يكونَ عالِماً لنفسِه. فإِن كان يكفي في إحكامِ الأَفعالِ انسدَّ بابُ الإِحكام ، ولا يقال في جميع الأَفعالِ ، وذلك بخلافِ المعقولِ ، فلا بدّ من أَمثلةٍ لا نهايةَ لَها ، وإِثباتِ فاعلين لا نهايةَ لهم ، لكلِّ فاعلٍ مثالٌ من جهةِ غيرِه.
وقد نبّه على هذا بقوله حيث قال: على غير مثال خلا من غيره ؛ لأَنّ إِثباتَ المثالِ من جهتِه متعذِّر ، فلا بدَّ من فاعلٍ سواه يفعَلُ المثالَ. وليس الواحدُ بأَولى ممّا لا نهايةَ له ،

1.سورة السجدة ، الآية ۵ .

2.سورة النَّحل ، الآية ۱.

3.سورة التوبة ، الآية ۴۸.

4.سورة إبراهيم ، الآية ۲۲.

5.سورة الشورى، الآية ۵۳ .

6.معارج ، ص ۵۵۰.

صفحه از 80