شرح حديث: ان الأرض علی الحوت - صفحه 239

و ذلك أنّ عمارة مادّة الدّنيا بما هي دنيا لاينتظم إلاّ بالقلوب القاسية ؛ و ذلك كما تقرّر في محلّه، و إنّ في تلك العمارة الحكمة بالغةً لايبلغ كُنهها عُقول العقلاء و فهوم العلماء و أوهام الحكماء، و لا رخصة في الكشف عن سرّها .
و بالجُملة لقد قال تعالى: «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ»۱ ، و ذلك القلب هو القلب المنكوس في صدور الّذين نكسوا على الرُّؤوس .
فعلى ما جرينا يكُون المُرادُ من «الثور» ، ثور ثَوَر ان النفس الشهوانيّة البهمُوتيّة الأمّارة بالسّوء و الفحشاء، و طغيانها التي تبعثها على دعوى الرّئاسة و ادّعاء الأولوية بالخلافة و الولاية ، و قد تبعثها على دعوى الرّبُوبيّة .
فلعمر الحبيب إنه لحقيق بكونه ظلوما جهولاً ۲ ، و الظالم الظلوم الطّاغي ، و الجَهول الباغي ، و لحريٌّ به أن يضطرّ إلى المحاربة و إلى الكدّ المدافعة والممانعة و المقابلة، فيكون قرن الثور الحربي هاهُنا القوة الغضبية و الآلة السّبعيّة الّتي بها يحاربُ ذلك الثّور الفحل الحربي البالغ في شهوة البهيمي، و بها يذبّ عن دين الجهل ، و يجاهد و يدافع عن ملة الجَهلاء ، ملة طاغوت الأهواء، بهموت الثرى .
و أمّا «الثرى» فهي طينة المعصية و الطغى، و هي عكس فلك البروج الذي هو أرض جنة المأوى، و معدن تراب طين الطاعة و التُّقى .
و أمّا «تحت الثرى» ـ و هو السرّ الذي يقوم بردّ غلبة الثرى ـ فقد ضلّ فيه فهومُ العلماء، و ذلّ فيه فهوم العلماء، و ذلّ فيه أوهام الحكماء، و تزلزل عقول العقلاء، و ذلك أنّه سرٌّ مستسرّ مقنّع بالسرّ من أسرار القدر والقضاء، مكنون مخزونٌ عند خازن مخازن أسماء اللّه الحسنى ، ممنوع عن دركها العلماء ؛ كما قال اللّه تعالى حكايةً عن روحه المقدّس و كلمته العليا عيسى : «تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ»۳ . و هذه

1.سورة التحريم ، الآية ۶ .

2.اقتباس من سورة الأحزاب، الآية ۷۲ .

3.سورة المائدة، الآية ۱۱۶ .

صفحه از 242