شرح حديث عمران صابي - صفحه 474

فأجاب عليه السلام بأنّ المعلمة قبل الشيء إنّما يكون لشيء يوجده غيره ، فيصوّره في نفسه حتّى يدفع عنه ما ينافي وجوده وكماله ، ثمّ يوجده على ما تصوّره ، والواجب الوجود بذاته ذاته مقتض لوجوده ، ولا مانع لوجوده حتّى يحتاج إلى ذلك ، فلذلك هو أزليٌّ غير معلول .
الثاني : أن يكون المراد بالكائن الصانع أيضاً ، ويكون معنى : هل هو معلوم عند نفسه بصورة حاصلة في ذاته؟ ولذا قال : «في نفسه» ، فأجاب عليه السلام بأنّ الصورة الحاصلة إنّما تكون لشيء يشترك مع غيره في شيء من الذاتيات ، ويخالفه في غيرها ، فيحتاج إلى الصورة الحاصلة ؛ لتعيّنه وتشخّصه وامتيازه عمّا يشاركه ؛ فأمّا البسيط المطلق الّذي تشخّصه من ذاته ، ولم يشارك غيرَه في شيء من الذاتيات ، فلايحتاج لمعرفة نفسه إلى حصول صورة ، بل هو حاضر بذاته عند ذاته ، فقوله : «ولم يكن هناك شيء يخالف» أي شيء يخالف في بعض الذاتيات ، فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه ، بتحديد ما علم من ذاته بجنس وفصل وتشخّص .
الثالث : أن يكون المراد بالكائن الحادثَ المعلول ، والمراد معلوميته عند الصانع بصورة حاصلة منه فيه ، وحاصل الجواب على هذا أنّ المخلوق إذا أراد صنع الشيء ، يصوّره أوّلاً في نفسه ؛ لعجزه عن الإتيان بكلّ ما يريد ، ولإمكان وجود ما يخالفه ويعارضه فيما يريده ، فيصوّره في نفسه على وجه لايعارضه شيء في حصول ما أراد منه ، وينفي الموانع عن نفسه بتحديد ما علم منه ؛ وأمّا الصانع تعالى فهو لايحتاج إلى ذلك ؛ لكمال قدرته ، ولعدم تخيّل الموانع عن الإيجاد ثمّة ، بل «إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون »۱ ، فليس المراد نفي العلم رأساً ، بل نفي العلم على الوجه الّذي تخيّله السائل بوجه يوافق فهمه ، وضمير «منها» راجع إلى الشيء الكائن باعتبار النفس ، أو إلى النفس ، أي علماً ناشئاً من النفس .
الرابع : أن يكون المراد كون الحادث معلوماً لنفسه عند نفسه قبل وجوده ، لاكونه معلوما لصانعه ، فالجواب أنّ الشيء بعد وجوده و تشخّصه يكون معلوماً لنفسه على وجه يمتاز عن غيره . والحاصل أنّ الامتياز العيني للشيء لايكون إلاّ بعد وجوده ؛ لافتقار وجوده إلى التميّز عن غيره ممّا يخالفه في ذاته وتشخّصه ، وأمّا امتيازه في علمه تعالى فليس على نحو الوجود العيني ، فلا يستلزم علمَ كلّ حادث هناك بنفسه ، كما يكون لذوي العقول بعد وجودها ۲ . انتهى كلامه ، زيد في الجنان إكرامه .

1.يس ، الآية ۸۲ .

2.بحارالأنوار ، ج۱۰ ، ص۳۲۰ و ۳۲۱ .

صفحه از 478