شرح حديث « نية المؤمن خير من عمله » - صفحه 333

التفضيل .
ولا يخفى عدم جريان هذا الوجه في الحديث الذي نحن بصدد الكلام فيه .
الثامن : أن المراد بالنية تأثر القلب عند العمل ، وانقياده إلى الطاعة ، وإقباله على الآخرة ، وانصرافه عن الدنيا ، وذلك يشتد بشغل الجوارح ۱ في الطاعات ، وكفِّها عن المعاصي ؛ فإنّ بين الجوارح والقلب علاقةً شديدة يتأثر كل منهما بالآخر ، كما إذا حصل للأعضاء آفة سرى أثرها إلى القلب فاضطرب ، وإذا تألّم القلب بخوف مثلاً سرى أثره إلى الجوارح فارتعدت ، والقلب هو الأمير المتبوع ، والجوارح كالرعايا والأتباع ، والمقصود من أعمالها حصول ثمرة للقلب ، فلا تظن ۲ أن في وضع الجبهة على الأرض غرضا من حيث إنه جمع بين الجبهة والأرض ، بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب ، فإن من يجد في نفسه تواضعا ، فإذا استعان بأعضائه وصوّرها بصورة المتواضع تأكد بذلك تواضعه ، وأما من يسجد غافلاً عن التواضع وهو مشغول القلب بأغراض الدنيا فلا يصل من وضع الجبهة على الأرض أثر إلى قلبه ، بل سجوده كعدمه نظرا إلى الغرض المطلوب منه ، فكانت النية روح العمل وثمرته والمقصد الأصلي من التكليف به ، فكانت أفضل .
وهذا الوجه قريب من الوجه الخامس .
التاسع : أن النية ليست مجرد قولك عند الصلاة أو الصوم أو التدريس : اُصلّي أو أصوم أو اُدرّس قربةً إلى اللّه ، ملاحظا معاني هذه الألفاظ بخاطرك ومتصوّرا لها بقلبك هيهات! إنما هذا تحرك لسان وحديث نفس ، وإنما النية المعتبرة انبعاث النفس وميلها وتوجّهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها إما عاجلاً أو آجلاً ، وهذا الانبعاث والميل إذا لم يكن حاصلاً لها لا يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرد النطق بتلك الألفاظ وتصوّر [تلك] ۳ المعاني ، وما ذلك إلا كقول الشبعان : أشتهي الطعام وأميل إليه ، قاصدا حصول الميل والاشتهاء ، وكقول الفارغ : أعشق فلانا واُحبّه وأميل إليه ۴ واُطيعه ، بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشيء وميله إليه وإقباله عليه إلا بتحصيل ۵ الأسباب الموجبة لذلك الميل والانبعاث [واجتناب الاُمور

1.في المخطوطة : الخوارج ، وهو غلط من الناسخ .

2.هذه اللفظة منقطة في المخطوطة بنقطتين فوق المثناة فتصير : «تظن» ، وتحتها ، فتصير : «يظن» . وما أدرجناه موافق لنسختي الأربعين المخطوطة والحجرية .

3.الزيادة ليست في المصدر ، أضفناها من نسختي الأربعين .

4.في هامش المخطوطة : خ ل : «أنقاد إليه» .

5.في المخطوطة : «تحصيل» . وما أدرجناه من نسختي الأربعين .

صفحه از 346