شرح حديث « نية المؤمن خير من عمله » - صفحه 338

والحاصل أن هذا الوجه أسهل الوجوه وأدناها بل أسخفها وأرداها ، ويكفي في سخافته وبطلانه ـ ويرشد إليهما ـ استحسان بعض الوزراء له كما قيل بالفارسية :
ميرود چون كفش كج در پاى كج
وأعجب ما فيه العدول عن ظاهره الصحيح الصريح من غير علة وسبب موجب للعدول إلى لفظ بديع ومعنى شنيع ، والاستشهاد له ببيت المتنبي ـ وهو ممّن لا يستشهد بكلامه ـ وإن ذكره بعض فللتمثيل لا للاستشهاد كما سبقت الإشارة إليه ، وكذلك البيتان الآخران ؛ فإن قائلهما مجهول ، مع أن المبرد وغيره حملوها على الشذوذ وضرورة الشعر ، وكذلك ينبغي أن يتعجب من الشهيد رحمه الله حيث ظن أن قوله تعالى «ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى » من جملة ما يستشهد به على ذلك . وكان ينبغي للشهيد حيث جعله وجها آخر غير الوجه المذكور أن يستشهد له بالمثال المشهور من قولهم : «الناقص والأشج أعدلا بنيمروان» ۱
، لكن هذا المعنى غير مراد للسيّد في هذا الوجه ، بل لا يكاد يصح الاستشهاد به أيضا إلاّ بتكلف بعيد ، ولذلك لم يستشهد به .
وأما الثامن فهو كالخامس ، وقد ذكره الغزالي عند شرحه قوله صلى الله عليه و آله : إن اللّه لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ، وإنما ۲ ينظر إلى قلوبكم ونياتكم .
وهذا الحديث أيضا من جملة ما يدل على كون النية أفضل من العمل ، وهذا الوجه وإن قرب من الوجه التاسع إلاّ أن التاسع يدفع المعارضة بالأحمزية ، وهذا لا يدفعها ولا يشير إليها ، وإنما كان يدفعها لو يبيّن فيه أن ذلك التأثر شاقّ أشق وأحمز

1.هذه العبارة تقال فيما إذا لم يقصد بصيغة «أفعل» ، التفضيلُ ؛ إذ ليس في بنيمروان عدل ليكونا أعدل منهم ، بل المراد أنهما عادلا بنيمروان . وقد ذكر السيوطي هذا المثال في كتابه الدراسي المشهور : البهجة المرضية عند البحث على قول ابن مالك في باب أفعل التفضيل : هذا إذا نَوَيْتَ معنى مِن وإنْلَمْ تَنْوِ فَهْوَ طبقُ ما به قُرِن

2.سيأتي من المصنف روايته بلفظ «ولكن» ، بدلاً من : «وإنما» . والمعنى واحد .

صفحه از 346