شرح حديث « نية المؤمن خير من عمله » - صفحه 342

ثم إن الخشية التي هي منشأ الخلوص إنما تحصل وتنشأ من العلم والمعرفة كما قال تعالى : «إنَّما يخشى اللّهَ من عباده العلماء »۱ ، وكما قال صلى الله عليه و آله : أعرفكم باللّه أخشاكم له .

الفرق بين الخوف والخشية

قال المحقّق الطوسي ـ عليه الرحمة ـ في بعض مؤلفاته : إن الخوف والخشية وإن كانا في اللغة بمعنى واحد ، إلاّ أن بين خوف اللّه وخشيته في عرف أرباب القلوب فرقا ، هو أن الخوف تألم النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيّات والتقصير في الطاعات ، وهو يحصل لأكثر الخلق ، وإن كانت مراتبه متفاوتة جدا ، والمرتبة العليا منه لا تحصل إلاّ للقليل ، والخشية حالة تحصل عند الشعور بعظمة الحق وهيبته وخوف الحجب عنه ، وهذه الحالة لا تحصل إلاّ لمن اطّلع على جلال الكبرياء وذاق لذة القرب ، ولذلك قال سبحانه : «إنما يخشى اللّه من عباده العلماء » ، فالخشية خوف خاص ، وقد يطلقون عليها الخوف أيضا . انتهى .
وقال شيخنا البهائي عند بيان قول أميرالمؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام : واُوصيك بخشية اللّه في سرّ أمرك وعلانيتك : المراد بالخشية في العلانية أن يظهر آثارها في الصفات والأفعال من كثرة البكاء ودوام التحرّق وملازمة الطاعات وقمع الشهوات ، حتى يصير جميعها مكروها لديه ، كما يصير العسل مكروها عند من عرف أن فيه سمّا قاتلاً ، وإذا احترقت جميع الشهوات بنار الخوف ، ظهر بالقلب الذبول والخشوع والانكسار ، وزال عنه الحقد والكبر والحسد ، وصار كل همه النظر في خطر العاقبة ، فلا يتفرغ لغيره ، ولا يصير له شغل إلاّ المراقبة والمحاسبة والمجاهدة في الاحتراز من تضييع الأنفاس والأوقات ، ومحاسبة النفس ومؤاخذتها في الخطوات والخطرات ، وأما الخوف الذي لا يترتب عليه شيء من هذه الآثار فلا يستحق أن يطلق عليه اسم الخوف ، وإنما هو حديث نفس .

1.سورة فاطر ، الآية ۲۸ .

صفحه از 346