موقف الحشوية من مصادر الفكر الإسلامي الحدیث و القرآن - صفحه 42

أبو حاتم الرازي: كان الشافعي فقيهاً ، ولم تكن له معرفة بالحديث ۱ .
ولعلّ هذا هو الذي ألجأ الشافعي أن يؤلّف هو ـ أو يؤلّف له أصحابُه ـ كتاباً باسم «مسند الشافعي». فليدافع عن نفسه قبل أن يهاجم الرافضة ! وما أصدق عليه قول الشاعر: «وما ظالمٌ إلاّ سيُبلى بأظلمِ!»
والمردود الثاني من فعل الحشوية وإفراطهم: هو تفريط العلمانية المعاصرة  ، بالحديث الشريف ، كأصل معتمد في تحديد الشريعة. فقد شكّكوا في حجّية أخبار الآحاد على أساس: أنّها إذا كانت تشريعاً فهي مخالفة لأُصول التشريع ، إذ من بديهيات الأُمور في كلّ العصور ، وفي عصرنا هذا ـ: أنّ كلّ تشريع لكي يكتسب صفة الإلزام يجب أن يعلن على الناس لكي يلتزموا به ويعملوا بأحكامه ، ولا نفع في التشريع أن يبقى سرّاً ، لأنّ الغرض من كلّ تشريع هو إلزام الناس بما نصّ عليه من أوامر ونواه ، وتحمّلهم المسؤولية في مخالفة أحكامه ۲ .
ومع أنّ هذا الكلام يحتوي على ثغرات ، فإنّه كلمة حقّ يراد به باطل: فكون الشريعة عامّة مستمرّة دائمة خالدة ، يقتضي أن تكون مفرداتها معلومة عامّة ، لا خاصّة مظنونة ، وهذه هي الحقيقة التي أصّلناها في التمهيد السابق.
والخبر الواحد إذاكان غير مقترن بقرائن تدعمه ، وتبلغ به حدّ العلم ، كان كذلك غير مفيد لإثبات الشريعة ، لكن أخبار الآحاد في التراث الإسلامي ليست كلّها مجرّدة ، بل أكثرها مقترنةٌ بقرائن الإجماع بين الأُمّة تارةً ، أو الاتّفاق تارةً أُخرى ، ثمّ دعم إحداها بالأُخرى ممّا يشكّل كتلةً صالحة للعلم والاستدلال على التشريع والعمل. وعلى هذه الحال، فلا تبقى أخبار الآحاد خاصّةً ، ولا سرّاً ، بل هي عامّة معلنة ، لتؤدّي المطلوب من التشريع في تحمّل المسؤوليات. ثمّ إنّ شأن

1.(طبقات الحنابلة) (۱ / ۲۸۱) رقم ۳۸۹ .

2.(تدوين السنّة) لإبراهيم فوزي (ص۱۸۳) .

صفحه از 34