الزهري: أحاديثه و سيرته - صفحه 180

وهذا كلام من لم يجعل لأمير المؤمنين علي عليه السّلام وشيعته وزناً ، بل جعل عهدهم عهد فتنة ، وسوّى في ذلك بينهم وبين الفئة الباغية ، ثمّ زاد على ذلك فأشار إلى أنّ عهد معاوية ـ بعد ما تمّ له الأمر بقتل أمير المؤمنين ومصالحة الحسن ـ عهد نعمة وخير باجتماع الاُمّة تحت دولة معاوية ، لأنّهم في نظره قد تخلّصوا من الفتنة حين غلب الباطل ، ولم يبق للحقّ في ذلك العهد دولة في الحقيقة ، فكانوا ـ بزعم هذا القائل ـ في عهد خير ، ألّفهم الله عليه ، وإنّما كانوا في النقص الديني الذي جرت به العادة ، لأنّ الناس لا يزالون ينقصون ، فكانوا في ذلك العهد أبناء دنياً يتنافسون فيها ويتصنّعون لها ، ثمّ حضرتهم فتنة ابن الزبير ، وألغى ذكر مصيبة كربلاء ، ومصيبة الحرّة لكبر عارهما وإثمهما على يزيد ، فذكرهما غير موافق لهوى الاُمويين في عهد الزهري .
ثمّ قال : ثمّ صلحوا على يدي عبدالملك .
فانظر كيف قال : «صلحوا على يدي عبدالملك؟» ولم يقل : كانوا أهل دنياً يتصنّعون لها ، لأنّه عهد عبدالملك الذي يريد الزهري التقرّب إليه ، فجعل عهده عهد صلاح تخلّفت فيه عادة النقص التي كانت في الماضي بالصورة التي ذكرها ، وحلّ مكانها الصلاح بالنسبة إلى عامّة الناس ، ولذلك صار السائل يستنكر النقص واختلاف حسن الظنّ بالرجل ، لأنّ السائل في عهد الصلاح وقلّة النقص الذي بدأ من بعد موت رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم وسيكون بعد موت عبدالملك إلى زمان الجاهلية الآخرة .
وانظر كيف لم يجعل عهد علي عليه السّلام عهد صلاح بالنسبة إلى علي عليه السّلام وأصحابه؟ وكانوا جمعاً كبيراً جمّاً غفيراً ، لا يترك ذكرهم لقلّتهم ، وهم أهل الحقّ والصبر والجهاد والزهد في الدنيا ، وإن كانوا في هذه الخصال متفاوتين ، وكان كثير منهم في آخر عهد علي عليه السّلام متخاذلين متواكلين ، فهذا عيب فيهم لتقصيرهم في نصح إمام المسلمين علي بن أبي طالب ، فهو عيب نسبي بالنسبة إلى الناصحين منهم ، لا

صفحه از 229