الزهري: أحاديثه و سيرته - صفحه 198

علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ما صنع الله له وأراده به من الخير : أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب في عيال كثير ، فقال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم لعمّه العبّاس ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ : ياأبا الفضل إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا إليه نخفّف عنه من عياله ـ : آخذ من بنيه رجلاً وتأخذ أنت رجلاً فنكفلهما عنه .
فقال العبّاس : نعم ، فانطلقا حتّى أتيا أبا طالب ـ إلى قوله ـ : فأخذ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم عليّاً فضمّه إليه ، وأخذ العبّاس جعفر فضمّه إليه ، فلم يزل عليٌّ مع رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم حتّى بعثه الله نبيّاً فاتّبعه وصدّقه . انتهى المراد .
وقد مرّ في الفصل الأوّل اعتراف ابن حجر بهذا المعنى .
ولعلي عليه السّلام كلام في هذا المعنى ، في نهج البلاغة .
وتحقيق اتّصال علي عليه السّلام برسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم وملازمته يؤخذ من حديث المنزلة لقوله تعالى : {وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً} ويؤكّد ذلك حديث الكساء ، وحديث المؤاخاة ، وحديث «أمّا أنت ياعلي فأنت منّي وأنا منك» وغير ذلك ممّا يناسبه في المعنى .
فإذا تبيّن أنّ عليّاًعليه السّلام هو الملازم لرسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم من أوّل نزول الوحي نحو ثلاث وعشرين سنة ، مع كمال فهمه وحفظه كما تبيّن ممّا سبق ، تبيّن أنّه هو حافظ الشريعة دون أبي هريرة الذي لم يدرك إلّا نحو ثلاث سنين ، وإن ادّعى أبو هريرة لنفسه الملازمة في هذه المدّة القصيرة وادّعى الحفظ الخارق ، أو ادّعي له ذلك؟!
فما ذلك ، إلّا لدفع التّهمة عنه لكثرة حديثه بالنسبة إلى غيره من الصحابة الذين طالت ملازمتهم لرسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم مع حرصهم على علم الشريعة ، فضلاً عن كثرة حديث أبي هريرة بالنسبة إلى كافّة الصحابة ، وفضلاً عن كثرة حديثه بالنسبة إلى قصر مدّته ، حتّى ترجّح أنّ أكثر حديثه غير مسموع ، أعني لم يسمعه من رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم فما لم يصرّح فيه بأنّه سمعه فليس الأصل فيه السماع .

صفحه از 229