الزهري: أحاديثه و سيرته - صفحه 134

الستّة بالشورى ، ومقتضى الشورى أن يدلي كلّ برأيه وحجّته ، وتكون مع الاجتماع المقابلة بين الآراء والحجج ، حتّى يتبيّن أيّها أرجح وأولى وأصوب؟؟؟ فيكون العمل به ، فإذا لم يفعلوا هذا بل عدلوا عنه إلى تولية عبدالرحمن أمرهم كانوا قد تركوا الشورى وجعلوا أمرهم إلى رأي واحد لا يعلمون أيصيب أم يخطي؟ ولا يعلمون أنّ رأيه يقوم مقام الرأي الذي تتمخّض عنه الشورى؟ لو ثبتوا عليها؟! ولم يدلّ على توليته دليل ، ولا ثبت أنّه أرجحهم رأياً وأنصحهم للاُمّة وأقربهم من الصواب في اختياره؟
فكانوا في هذا الخطأ لم يكتفوا بإهمال النصوص في علي ، وإهمال النصوص في أهل البيت ، حتّى أهملوا آية الشورى .
مع أنّه لابدّ أن يكون الأمر ثابتاً بحكم الله تعالى ، أو بالشورى فيما لم يكن فيه حكم من الله تعالى ، فعلى فرض أنّه لا حكم لله تعالى في تعيين الخليفة يكون الأمر شورى بين المؤمنين ، لقوله تعالى : {وأمرهم شورى بينهم} فإذا ترك هذا الحكم كان ذلك مخالفة لكتاب الله ، لا تصدر عن علي عليه السّلام فلا يتصوّر أن يكون ولّى عبدالرحمن ، بل رواية ذلك رواية منكرة ، والزهري أولى بها .
مع أنّ آخر الرواية يكذب أوّلها ، لأنّ قول عبدالرحمن فيها : أمّا بعد ياعلي ـ إلى قوله ـ : فلا تجعلنّ على نفسك سبيلاً ، يشعر بحرص علي على الولاية إلى حدّ أنّه يحتاج في دفعه عنه إلى التهديد ، وتوجيه الخطاب إليه وحده بذلك ، لمزيد العناية بدفعه دون غيره .
ومن كان في الحرص عليها إلى هذا الحدّ لا يولّي عبدالرحمن ليختار أحدهم بدون قيد ، ولا شرط أن يحكم بكتاب الله ، وأن لا يختار إلّا أحقّهم بهذا الأمر في حكم الله ، بل لا يتصوّر ذلك إلّا ممّن لا يبالي بها كانت له أم كانت لغيره؟ ولا يبالي بالاُمّة تولّاها من يُصلح أم من يفسد؟ فيولّي عبدالرحمن ليقول فيها باختياره كأنّها سلعة يوكله بيعها أو امرأة يوكله بتزويجها .

صفحه از 229