الزهري: أحاديثه و سيرته - صفحه 175

ولعلّ الناسخ بعد أن توهّم أنّها تقي بالتاء المثنّاة ، ظنّ الصواب كتابتها بالألف بعد الياء لأنّها عنده منصوبة لكونها خبر (كان) فكتبها (تقيّاً) لاعتقاده أنّ كتابتها تقي بالتاء المثنّاة وبدون ألف غلط محقّق .
هذا ، مع أنّ رواية الخلاصة عن مالك مرسلة وغريبة فهي مردودة لنكارتها ، ويؤكّد ما ذكرناه ما رواه الخطيب في كتاب الكفاية في علم الرواية ۱ بإسناده عن ابن أبي اُويس قال : سمعت خالي مالك بن أنس يقول : إنّ هذا العلم دين ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم ، لقد أدركت سبعين عند هذه الأساطين ـ وأشار إلى مسجد رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ـ يقولون : (قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم ) فما أخذت عنهم شيئاً ، وإنّ أحدهم لو ائتمن على بيت مال لكان به أميناً ، إلّا أنّهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ، ويقدم علينا محمّد بن مسلم بن عبيدالله (ابن عبدالله بن شهاب) وهو شابٌّ فنزدحم على بابه . انتهى .
ومعنى هذا أنّه ترك العبّاد والنسّاك بمسجد رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم الاُمناء ، وعدل إلى الزهري وهو شابٌّ ، وذلك لأنّ الزهري من أهل هذا الشأن .
فكان خلاصة الكلام أنّه ترك العبّاد وعدل إلى الزهري ، وذلك يشعر بأنّ الزهري ليس من العبّاد وأنّه لا يستقيم مع ذلك أن يصفه مالك بأنّه : «تقي ما له في الناس نظير» لأنّ من كان في التقوى منقطع النظير لابدّ أن يكون من العابدين ، لأنّ الباعث على التقوى باعث على العبادة وهو الخوف والرجاء والرغبة في الشكر وتعظيم الله جلّ جلاله ، فتأكّد أنّ مالكاً لم يصفه بالتقوى المذكورة ، وأنّ ما في الخلاصة عنه تصحيف .
فإن قيل : إنّ تعظيم القوم للزهري ، واتّخاذهم له إماماً في الحديث يدلّ على أنّه عندهم من أهل الفضل في الدين .

1.الكفاية في علم الرواية ص۱۵۹ .

صفحه از 229