قلنا : لا نسلم ذلك :
فقد رووا عن بعض أئمتّهم ما يدلّ على خلاف ذلك ، ففي كتاب المجروحين لابن حبّان ۱ عن يحيى بن سعيد القطان أنّه قال : لم نجد الصالحين أكذب منهم في الحديث .
وروى ابن حبّان هنالك أيضاً عن عمرو الناقد عن وكيع أنّه قال وسأله رجل فقال : ياأبا سفيان ، تعرف حديث سعيد بن عبيد الطائي عن الشعبي في رجل حجّ ثمّ حجّ قال : من يرويه؟ قلت : وهب بن إسماعيل ، قال : ذاك رجل صالح وللحديث رجال . انتهى .
ذكره ابن حبّان في النوع الخامس من أنواع الجرح في الضعفاء فقال فيه : ومنهم ـ أي من الرواة ـ من كبر وغلب عليه الصلاح والعبادة وغفل عن الحفظ والتمييز . . . إلى آخره .
وهذه طريقة تلبيس ، لأنّ الذي يسبّب الغفلة هو الكبر والضعف ، فأمّا الصلاح فهو بالعكس يدعو إلى الحفظ ، لأنّ الإيمان يسبّب الرغبة في العلم والحرص عليه بقدر الإيمان وقوّته ، وإذا قوي الحرص على العلم كان ذلك سبباً لحفظه ، ولأنّ الصالحين تكون أذهانهم موجّهة للعلم ولا تشغلهم العبادة عن العلم ، لأنّ العلم هو الذي به تقوم العبادة فليس معنى العبادة مجانبة العلم والإعراض عنه ، بل معناها العمل بالعلم ، والحاجة إلى العلم تستمر حتّى الموت ، فالمؤمن لا يعتقد أن قد استغنى عنه ، بل يعتقد أنّه لابدّ منه في العبادة ، وأنّ من العبادة التعليم ، وإفادة من سأل ، والذي ظهر أنّ الصالحين ابتعدوا عن السلطان ، ولم يساعدوه على ما يهواه في اُسلوب الحديث من الزيادة والنقصان ، فاضطرّوا إلى السكوت ، ومنِع الناس من التعلّم منهم وقيل : ليسوا من أهله .
1.المجروحين لابن حبّان ج۱ ص۶۷ .