الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 183

(و حادي عشرها : العالي سَنَدا) ؛ وهو القليلُ الواسطة معَ اتّصاله .
(و طلبُه) أي طلب عُلُوّ الإسناد (سُنّةٌ) عند أكثر السَلَف ، وقد كانوا يَرْحَلُون إلى المشايخ في أقصى البلاد لأجل ذلك ؛ (فبِعُلوِّهِ) أي السند (يَبْعُدُ) الحديثُ (عن الخَلَل المتطرّق إلى كلّ راوٍ) ؛ إذ ما من راوٍ من رجال الإسناد إلاّ والخطأ جائزٌ عليه ، فكلّما كَثُرتْ الوسائِطُ وطالَ السندُ كَثُرتْ مظانُّ التجويز ، وكلّما قَلَّتْ قَلَّتْ .
و لكن قد يتّفقُ في النُزول مزيّةٌ ليستْ في العُلُوِّ ؛ كأنْ يكونَ رواتُه أوثقَ أو أحْفَظَ أو أضْبَطَ ، أو الاتّصال فيه أظْهَرَ ؛ للتصريح فيه باللقاء ، واشتمال العالي على ما يحتمله وعدمه ، ك «عن فلان» ، فيكون النزولُ حينئذٍ أولى .
و منهم مَنْ رجّحَ النزولَ مطلقا ؛ استنادا إلى أنّ كثرةَ البحث يقتضي المشقّةَ ؛ فيعظمُ الأجْرُ ۱ . وذلك ترجيحٌ بأمر أجنبيّ عمّا يتعلّق بالتصحيح والتضعيف .
(و) العُلُوّ أقسامٌ : (أعلاهُ) وأشرفُه (قُرْبُ الإسناد من المعصوم) بالنسبة إلى سَنَدٍ آخرَ يُروى به ذلك الحديثُ بعينه بعددٍ كثير ، وهو العلوّ المُطْلَقُ ؛ فإن اتَّفقَ مع ذلك أنْ يكونَ سندُه صحيحا ولم يرجح غيرهُ عليه بما تقدّم ، فهو الغايةُ القُصوى ؛ وإلاّ فصورةُ العلُوّ فيه موجودةٌ ما لم يكن موضوعا ، فيكون كالمعدوم .
(ثمّ) بعدَ هذه المرتبة في العُلُوّ : قُرْبُ الإسناد المذكور (من أحَد أئمّة الحديث) كالشيخ ، والصدوق ، والكليني ، والحُسين بن سعيد ، وأشكالهم .
(ثمّ) بعده : (بِتَقدُّم زمانِ سماع أحدهما) أي أحد الراويين في الإسنادين (على) زمان سماع (الآخَر ، وإن اتّفقا في العَدد) الواقع في الإسناد (أو) في (عَدَم الواسطة) بأنْ كانا قد رَويا عن واحدٍ في زمانين مُختلفين ، (فأوّلهما) سماعا (أعلى) من الآخَر ؛ لِقُرْب زمانه من المعصوم بالنسبة إلى الآخَر .
و العُلُوّ بهذين المعنيين يُعبّر عنه بالعُلُوّ النِسبي ، وشَرَفُ اعتباره قليلٌ خُصوصا

1.قال ابن الصلاح في مقدّمته : ۱۶۰ : «و حكى ابن خلاّد عن بعض أهل النظر أنّه قال : التنزّل في الإسناد أفضل ، واحتجّ له بما معناه : أنّه يجب الاجتهاد والنظر في تعديل كلّ راوٍ وتخريجه ، فكلّما ازدادوا كان الاجتهاد أكثر ، وكان الأجر أكثر» .

صفحه از 295