الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 205

«و رجلٌ تصدّق بصدقة فأخْفاها حتّى لا تَعلم يمينُه ما تُنفق شمالُه» ۱ . فهذا ممّا انقلبَ على بعض الرواة ، وإنّما هو : «حتّى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينُه» كما ورد في الأُصول المعتبرة ۲ .
(الثامن : الموضُوعُ ؛ وهو المكذُوب المختلَق المصنُوع) بمعنى أنّ واضعَه اختلَقه وصنَعه ، لا مُطلق حديث الكَذُوب ؛ فإنّ الكذوبَ قد يصدُق .
(و هو) أي الموضوع (شرُّ أقسام الضعيف ، ولا تحلّ روايتُه) للعالم به (إلاّ مُبيّنا لحاله) من كونه موضوعا ، بخلاف غيره من الضعيف المحتمِل للصدق ، حيثُ جوّزوا روايتَه في الترغيب والترهيب ، كما سيأتي .
(و يُعرفُ) الموضوع (بإقرار واضعه) بوضعه ، فيُحكَم عليه حينئذٍ بما يُحكَم على الموضوع في نفس الأمر ، لا بمعنى القطع بكونه موضوعا ؛ لجواز كذبه في إقراره ، وإنّما يُقطع بحُكمه ، فإنّ الحكمَ يتبعُ الظنّ الغالبَ ، وهو هُنا كذلك ، ولولاه لما ساغَ قتلُ المقرِّ بالقتل ، ولا رجم المعترِفِ بالزنا ؛ لاحتمال أن يكونا كاذِبَيْنِ في ما اعترفا به .
(و) قد يُعرفُ أيضا ب (ركاكة ألفاظه) ونحوها .
و لأهل العلم بالحديث مَلَكَةٌ قويّةٌ يميّزونَ بها ذلك ، وإنّما يقوم به منهم مَنْ يكونُ اطّلاعه تامّا ، وذهنُه ثاقبا ، وفهمُه قويّا ، ومعرفتُه بالقرائن الدالّة على ذلك متمكّنة .
(و بالوقُوف على غَلَطه) ووضعه من غير تعمّد ، كما وَقَعَ لثابت بن موسى الزاهد في حديث : «من كثُرت صلاتُه بالليل حسُنَ وجهُه بالنهار» ۳ ، فقيل : كان شيخٌ يحدّث في جماعةٍ ، فدخَل رجلٌ حسن الوجه ، فقال الشيخُ في أثناء حديثه : «من كثُرت صلاتُه بالليل ... إلخ ،» فوقعَ لثابت بن موسى أنّه من الحديث فرواه ۴ .

1.صحيح مسلم ۲ : ۷۱۵ / ۱۰۳۱ كتاب الزكاة باب ۳۰ .

2.صحيح البخاري ۱ : ۲۳۴ ـ ۲۳۵ / ۶۲۹ ، و۲ : ۵۱۷ / ۱۳۵۷ ؛ سنن الترمذي ۴ : ۵۹۸ / ۲۳۹۱ .

3.سنن ابن ماجة ۱ : ۴۲۲ / ۱۳۳۳ .

4.حكاه الطيّبي في الخلاصة في أُصول الحديث : ۷۵ .

صفحه از 295