الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 206

(و الواضعون أصناف) :
منهم : مَنْ قَصَدَ التقرّبَ به إلى الملوك وأبناء الدُنيا ، مثل : غياث بن إبراهيم ؛ دَخَلَ على المهديّ بن المنصور ـ وكان يُعجِبهُ الحمامُ الطيّارةُ الواردةُ من الأماكن البعيدة ـ فروى حديثا عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قال : «لا سَبْقَ إلاّ في خُفّ ، أو حافِرٍ ، أو نَصْل ، أو جَناحٍ» ؛ فأمَر له بعشرة آلاف درهم .
فلمّا خَرَجَ قال المهديّ : أشهدُ أنّ قفاهُ قفا كذّاب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ! ما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «جناح» ولكن هذا أراد أن يتقرّبَ إلينا ؛ وأمر بذبحها وقال : «أنا حملته على ذلك» ۱ .
و منهم : قومٌ من السُؤّال يضعُون على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحاديثَ يرتزقُون بها ، كما اتّفق لأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين في مسجد الرصافة ۲ .
و (أعظمهم ضررا مَن انتسب منهم إلى الزُهْد) والصلاح بغير علمٍ (فاحتَسبَ بوضعه) ؛ أي زَعَمَ أنّه وضعَه حِسْبةً للّه تعالى وتقرّبا إليه ؛ ليجذِبَ بها قلوب الناس إلى اللّه تعالى بالترغيب والترهيب ، فقَبِلَ الناسُ موضوعاتهم ، ثقةً منهم بهم ، ورُكونا إليهم ؛ لظاهر حالهم بالصلاح والزُهْد .
و يظهرُ لك ذلك من أحوال الأخبار التي وضعَها هؤلاء في الوعظ والزهد ، وضمّنُوها أخبارا عنهم ، ونسبُوا إليهم أفعالاً وأحوالاً خارقةً للعادة ، وكرامات لم يتّفق مثلُها لأُولي العَزْم من الرسل ؛ بحيث يقطع العقلُ بكونها موضوعةً ، وإن كانت كراماتُ الأولياء ممكنةً في نفسها .
و من ذلك ما رُوي عن أبي عِصمة نُوح بن أبي مريم المَرْوَزِي أنّه قيل له : مِنْ أينَ لكَ عن عِكْرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورةً سورةً ، وليسَ عند أصحاب عكرمة هذا؟! فقال : إنّي رأيتُ الناسَ قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ،

1.جامع الأُصول ۱ : ۱۳۷ ـ ۱۳۸ ؛ فتح المغيث للسخاوي ۱ : ۳۰۱ ، مع التعليقات .

2.جامع الأُصول ۱ : ۱۳۸ ـ ۱۳۹ ؛ الخلاصة في أُصول الحديث : ۷۷ .

صفحه از 295