الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 218

وإن كان ولابدّ من تجاوز ذلك ، فالعمل على خبر المخالف الثقة ؛ لِيسلم من ظاهر النهي عن قبول خبر الفاسق ظاهرا ، ومنع إطلاقه على المخالف مطلقا . وقد تقدّمت الإشارة إليه .
أمّا المنصوص على ضعفه فلا عذر في قبول قوله ، كما يتّفق ذلك للشيخ رحمه اللهفي موارد كثيرة . واللّه تعالى أعلم بحقائق أحكامه .

[ المسألة ] (الثانية :

تُعرف العدالة) المعتبرة في الراوي (بتنصيص عدلين عليها ، أو بالاستفاضة) ؛ بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل أو غيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا ، لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيصٍ على تزكية ولا بيّنةٍ على عدالة ؛ لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم ، زيادةً على العدالة .
وإنّما يتوقّف على التزكية غير هؤلاء من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك ، ككثير ممّن سبق على هؤلاء ، وهم طرق الأحاديث المدوّنة في الكتب غالبا .
(وفي الاكتفاء بتزكية الواحد) العدل (في الرواية قولٌ مشهور) لنا ولمخالفينا ۱ ، (كما يكتفى به) أي بالواحد (في أصل الرواية) .
وهذه التزكية فرع الرواية ؛ فكما لا يعتبر العدد في الأصل فكذا في الفرع .
وذهب بعضهم إلى اعتبار اثنين ۲ ا ذلك ، وهو واضح .

[المسألة] (الثالثة :

التعديل مقبولٌ من غير ذكر سببه ، على) المذهب (المشهور ؛ لأنّ أسبابه كثيرةٌ يصعُب ذكرُها) ؛ فإنّ ذلك يُحْوِج المعدِّلَ إلى أنْ يقولَ : «لم يفعل كذا ، لم يرتكب كذا ، فعل كذا وكذا» ، وذلك شاقٌّ جدّا .
(و أمّا الجرح فلا يُقبل إلاّ مُفَسَّرا مبيَّن السبب) الموجب له ؛ (لاختلاف الناس في ما يُوجبه) ؛ فإنّ بعضَهم يجعلُ الكبيرةَ القادحةَ ما تُوُعِّدَ عليها في القرآن بالنار ؛ وبعضهم يُعِمُّ التوعّدَ ؛ وآخرون يُعِمّونَ المتوعَّدَ فيه بالكتاب والسنّة ؛ وبعضهم يجعلُون جميعَ الذُنُوب كبائر ، وصِغَرُ الذنبِ وكِبَرُه عندهم إضافيّ . إلى غير ذلك من الاختلاف ۳ .
فربما أطلقَ بعضُهم القدحَ بشيءٍ بِناءً على أمر اعتقده جرحا ، وليس بجرحٍ في نفس الأمر أو في اعتقاد الآخر . فلابُدَّ من بيان سببه ليُنْظَر فيه أ هو جرح أم لا .

1.اُنظر مقدّمة ابن الصلاح : ۵۲ ؛ وفتح المغيث ۲ : ۸ .

2.هو المحقّق في معارج الأُصول : ۱۵۰ . وقال ابن المؤلّف الشهيد في المنتقى ۱ : ۱۶ : «الأقرب عندي عدم الاكتفاء في تزكية الراوي بشهادة العدل الواحد . وهو قول جماعة من الأُصوليين ، ومختار المحقّق أبي القاسم بن سعيد» . ومن العامّة أكثر الفقهاء من أهل المدينة ، وللمزيد راجع فتح المغيث ۲ : ۸ ـ ۹ .كما في الجرح والتعديل في الشهادات . فهذا طريق معرفة عدالة الراوي السابق على زماننا . و المعاصر يثبت بذلك ، وبالمعاشرة الباطنة المُطَّلعة على حاله واتّصافه بالملكة المذكورة . (و يُعرف ضبطُه : بأنْ تُعتبر روايتُه برواية الثِقات المعروفين بالضبط والإتقان ، فإنْ وافقَهم) في رواياته (غالبا) ولو من حيث المعنى ، بحيث لا يُخالفها أو تكون المخالفة نادرةً ، (عُرِف) حينئذٍ (كونهُ ضابطا ثَبْتا ، وإنْ وجد)ناه بعدَ اعتبار رواياته برواياتهم (كثيرَ المخالفة لهم ، عُرِفَ اختلالُه) أي اختلال ضَبْطه أو اختلال حاله في الضبط ، ولم يحتجَّ بحديثه . و هذا الشرط إنّما يُفتقر إليه في مَنْ يروي الأحاديث من حفظه ، أو يُخَرِّجها بغير الطرق المذكورة في المصنّفات . و أمّا رواية الأُصول المشهورة فلا يُعتبر فيها ذلك ، وهو واضح .

3.يراجع في معنى كلّ من العدالة والكبائر والأقوال فيهما : مفتاح الكرامة ۳ : ۸۰ ـ ۸۸ و۸۹ ـ ۹۴ .

صفحه از 295