الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 219

و قد اتّفق لكثير من العلماء جرحُ بعضٍ ، فلمّا استُفْسر ذَكَرَ ما لا يصلُح جارحا .
قيل لبعضهم : لِمَ تركتَ حديثَ فلان؟ فقال : رأيتُه يركُض على بِرْذَوْن!حكاه الخطيب في الكفاية : 110 ـ 111 ؛ وعنه مقدّمة ابن الصلاح : 51 ؛ والسيوطي في تدريب الراوي 1 : 306 .
و سُئل آخر عن رجلٍ من الرواة ، فقال : ما أصنع بحديثه ، ذُكِرَ يوما عندَ حمّاد فامتخطَ حمّادٌ! ۱
و يشْكلُ بأنّ ذلك آتٍ في باب التعديل ؛ لأنّ الجرحَ كما تختلف أسبابه كذلك فالتعديلُ يتبعه في ذلك ؛ لأنّ العدالةَ تتوقّف على اجتناب الكبائر مثلاً فربما لم يعدّ المعدِّلُ بعضَ الذنوب كبائر ، ولم يقدح عندَه فعلُها في العدالة ؛ فيزكّي مرتكبَها بالعدالة ، وهو فاسقٌ عندَ الآخر بناءً على كونه مرتكبا لكبيرة عندَه .
و من ثَمَّ ذهبَ بعضُهم إلى اعتبار التفصيل فيهما ۲ .
و مَنْ نَظَرَ إلى صعوبة التفصيل ونحوه ، اكتفى بالإطلاق فيهما ۳ .
أمّا التفصيلُ باختلاف الجَرْح والتعديل في ذلك ، فليس بذلك الوجه .
(نعم ، لو عُلم اتّفاق مذهب الجارِح والمُعْتَبِر) ـ بكسر الباء ـ وهو طالِبُ الجرح والتعديل ليعملَ بالحديث أو يتركه ، (في الأسباب) الموجبة للجرح ؛ بأنْ يكونَ اجتهادُهما في ما به يحصلُ الجرح والتعديل واحدا ، أو أحدهما مقلّدا للآخر ، أو كلاهما مقلّدا لمجتهدٍ واحد ، (اتّجه الاكتفاء بالإطلاق) في الجرح (كالعدالة) . وهذا التفصيلُ هو الأقوى فيهما .
و اعلم أنّه يَرِدُ على المذهب المشهور ـ من اعتبار التفسير في الجرح ـ إشكالٌ مشهور ؛ من حيث إنّ اعتماد الناس اليوم في الجرح والتعديل على الكتب

1.حكاه الخطيب في الكفاية : ۱۱۳ ؛ والسيوطي في تدريب الراوي ۱ : ۳۰۶ ؛ والسخاوى في فتح المغيث ۲ : ۲۵ .

2.حكاه قولاً الغزالي في المستصفى في الأُصول : ۱۲۹ ؛ ونسبه السخاوي في فتح المغيث ۲ : ۲۵ إلى أئمّة الحديث وأهل النظر ، فراجع .

3.حكاه عن القاضي : الغزالي في المستصفى في علم الأُصول : ۱۲۹ ؛ وعن أبي حنيفة : الشيخ في الخلاف ۶ : ۲۲۰ المسألة ۱۳ ؛ وعن أبي حنيفة وأحمد : ابن قدامة في المغني ۱۱ : ۴۲۴ .

صفحه از 295