الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 240

بحيث يخفى بعضُ الكَلِمِ ، والبعد عن القارئ ، ونحوِ ذلك . والضابط : كونُه (بحيث لا يفهَم المقروء) ؛ لعدم تحقُّق معنى الإخبار والتحديث معه ؛ فلو اتّفق ، قال : «حضرتُ» لا «حدّثنا» و«أخبرنا» .
و قيل : يجوز (و يُعفى عن اليسير) من النسخِ ونحوهِ ، على وجهٍ لا يمنعُ أصلَ السَماعِ ، وإنْ منعَ وُقوعَه على الوجه الأكملِ ۱ .
و يختلف ذلك باختلافِ أحوال الناسِ في حُسن الفَهم وعدمه ، واندفاعه بالشواغِل، فإنّ منهم مَنْ لا يمنعُه النَسْخُ ونحوُه مطلقا، ومنهم مَنْ يمنعه أدنى عائقٍ.
و قد رُوي عن الحافظ أبي الحسن الدارقُطني أنّه حضر في حَداثَتِه مجلسَ الصفّار ، فجلس ينسخ جزءا كان معه والصفّار يُملي ، فقال له بعضُ الحاضرين : لا يصحّ سماعُك وأنتَ تنسخُ ، فقال : فهمي للإملاء خلافُ فَهْمِك . ثمّ قال : تحفظُ كم أملى الشيخُ من حديثٍ إلى الآن؟ فقال : لا ، فقال الدارقُطني : أملى ثمانيةَ عشر حديثا ، فعُدّت الأحاديثُ فوُجِدَتْ كما قال . ثمّ قال أبو الحسن : الحديث الأوّلُ منها عن فلان ومتنه كذا ، والحديث الثاني عن فلان ومتنه كذا . ولم يزل يذكر أسانيدَ الأحاديثِ ومتونَها على ترتيبها في الإملاء حتّى أتى على آخرها ، فتعجّب الناسُ منه ۲ .
(و ليُجز) الشيخ (للسامعين روايتَه) أي روايةَ المسموعِ أجمع ، أو الكتاب بعدَ الفراغ منه ، وإن جرى على كلّه اسمُ السَماع .
و إنّما كان الجمعُ أولى ؛ لاحتمال غَلَط القارئ وغفلة الشيخِ ، أو غفلة السامع عن بعضه ، فيُجْبَر ذلك بالإجازة لما فاتَه .
و إذا كتبَ لأحدِهم خَطّه حينئذٍ ، كتبَ : «سمعه منّي ، وأجزتُ له روايتَه عنّي» ؛ جمعا بين الأمرين .

1.القائل هو ابن الصلاح في مقدّمته : ۱۰۳ ، وحكى جوازه على الإطلاق عن موسى بن هارون الحمّال . وانظر فتح المغيث ۲ : ۱۹۴ ـ ۱۹۵ ، دار الإمام الطبري .

2.مقدّمة ابن الصلاح : ۱۰۳ ـ ۱۰۴ ؛ وحكاه السخاوي في فتح المغيث ۲ : ۱۹۵ عن الخطيب ، وانظر ما حكاه عن غير الدارقطني تلو الصفحة ۱۹۵ .

صفحه از 295