الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 241

(و إذا عَظُمَ مجلسُ المحدِّثِ) وكَثُرَ فيه الخلقُ،ولم يمكن إسماعُه للجميع (فبلَّغ) عنه (مُسْتَملٍ ، روى) سامعُ المستملي (عن المُمْلي) عندَ بعض المحدّثين ؛ لقيام القرائنِ الكثيرةِ بصدقِه في ما بَلَّغه في مجلس الشيخ عنه ، ولجريان السَلَف عليه ؛ فقد كان كثيرٌ من الأكابر يَعْظُم الجمعُ في مجالسهم جدّا حتّى يبلغ أُلُوفا مؤلّفةً ، ويُبَلِّغُ عنهم المُستَملون،فيكتبون عنهم بواسطة تبليغهم . وأجازَ غيرُ واحدٍ روايةَ ذلك عن المُمْلي.
و أكثر ما بَلَغَنا في ذلك عن أصحابنا : أنّ الصاحبَ كافي الكُفاة إسماعيل بن عبّاد ۱ قدّس اللّه سرّه ـ لمّا جلس للإملاء حَضَرَ خلقٌ كثيرٌ ، فكان المُستملي الواحد لا يقومُ بالإملاءِ حتّى انضافَ إليه ستّةٌ كلٌّ يُبَلّغ صاحبَه .
و روى أبو سعيد السمعاني في أدب الاستملاء : أنّ المعتصم وَجَّهَ مَنْ يحرز مجلسَ عاصم بن عليّ بن عاصم في رحبة النخل الذي في جامع الرصافة ، قال : وكان عاصم يجلس سطح المسقطات وينتشر الناسُ في الرَحبة وما يليها ، فيعظُم الجمعُ جدّا ، حتى سُمع يوما يُستعاد اسمُ رجلٍ في الإسناد أربعَ عشرة مرّةً والناسُ لا يَسْمعون! فلمّا بَلَغَ المعتصم كثرةُ الجمع أمر مَنْ يحرزهم ، فحرزوا المجلس عشرين ألفا ومائة ألْفٍ ۲ .
ثمّ خمدتْ نارُ العلم وبارَ ، وولّتْ عساكرهُ الأدبارَ .

فكأنّهُ بَرْقٌ تألّقَ بالحِمىثمّ انْطوى فكأنّه لم يَلْمَع۳
(و قيل : لا) يجوزُ لمن أخذ عن المستملي أن يَروِيَه عن المُمْلي بغير واسطةِ المستملي ۴ .

1.هو إسماعيل بن عبّاد بن العبّاس ؛ أبو القاسم الطالقاني ، وزير مؤيّد الدولة بن بويه الديلمي . راجع ترجمته في معجم الأُدباء ۶ : ۱۶۸ ـ ۳۱۷ .

2.أدب الإملاء والاستملاء : ۱۶ ـ ۱۷ .

3.في حاشية المخطوطة : «هذا البيت في قصيدة الشيخ أبي علي في بيان النفس الناطقة باعتبار الوجود ، فيكون مراده من قوله : فكأنّه برق تألّق بالحمى : تعلّق النفس الوجود بالعالم الوجود والبدن في زمان الحياة . ومراده من المصراع الثاني : انعدام الوجود بعد الموت ، فتشبيه النفس الناطقة ـ باعتبار التعلّق بالبدن ـ بالبرق» .

4.من القائلين : النووي في التقريب والتيسير المطبوع مع تدريب الراوي ۲ : ۲۵ ـ ۲۶ ؛ والطيّبي في الخلاصة في أُصول الحديث : ۱۰۴ .

صفحه از 295