الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 243

حتّى لو حَلَفَ لا يُخْبر فلانا بكذا ، فأخبرَ جماعة هو فيهم واستثناهُ ، حَنَثَ ، بخلافِ ما لو حَلَفَ لا يُكلِّمه واستثناه .
و كذلك نهيُه عن الرواية لا يُزيلها بعد تحقُّقِها ؛ لأنّه قد حدّثه ، وهو شيءٌ لا يُرجع فيه .
و في معناه ما لو قال : «رجعتُ عن إخباري إيّاك به» ، أو : «لا آذنُ لك في روايته» ، ونحوُ ذلك .
نعم ، لو كان رجوعُه لتذكّره خطأً في الرواية تعيّن الرجوعُ ، ويُقْبل قولُه فيه .
(و ثالثها : الإجازة) ؛ وهي في الأصلِ مصدرُ «أجاز» ، وأصلُها «إجْوازة» تحرّكت الواوُ فتوهِّم انفتاحُ ما قبلها فانقلبتْ ألفا ، وبقيت الألفُ الزائدةُ التي بعدَها فحُذِفَت لالتقاء الساكنينْ ، فصارت «إجازة» . وفي المحذوف من الألِفَيْنِ الزائدة أو الأصلية قولان مشهوران : الأوّل قول سيبويه ، والثاني قول الأخفش ۱ .
(و هي) مأخوذةٌ (من) جواز الماء الذي يُسقاه المال من الماشيةِ والحرثِ ، ومنه (قولُهم : «استجزتُه فأجازني» إذا سقاك) ماءً (لماشيتك أو أرضك ۲ .
فالطالبُ للحديث يَسْتجيزُ العالم علمَه) أي يطلبُ إعطاءه له على وجهٍ يحصل به الإصلاح لنفسه ، كما يحصل للأرض والماشية الإصلاح بالماء ، (فيُجيزه له) .
و كثيرا ما يُطلق على العلمِ اسمُ الماء ، وعلى النفس اسمُ الأرض ، وعليه بعضُ المفسّرين ۳ ؛ لقوله تعالى : «وَ تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ »۴ .
(و حينئذٍ) أي حين إذ كان أخذها من الإجازة التي هي الإسقاء (فتتعدّى) إلى المفعول (بغير حرف) جرٍّ ، ولا ذكرِ روايةٍ (فيقول : «أجزتُه مسموعاتي» مثلاً) كما يقولُ : «أجزتُه مائي» .

1.مغني اللبيب : ۶۲۱ الباب الخامس ؛ كتاب التصريف ضمن جامع المقدّمات : ۱۰۹ .

2.كما في الكفاية للخطيب : ۲۱۲ ؛ ومقدّمة ابن الصلاح : ۱۱۱ . وحكاه في فتح المغيث ۲ : ۲۷۸ عن ابن فارس والحريري في مقاماته .

3.كمحيي الدين بن عربي في تفسيره ـ المنسوب إليه ـ ۲ : ۹۷ .

4.سورة الحج (۲۲) : ۵ .

صفحه از 295