الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 245

ففي الأوّل السماعُ أرجحُ ؛ لأنّ السلفَ كانوا يجمعون الحديث من صُحُف الناسِ وصُدورِ الرجال ، فدعت الحاجةُ إلى السَماع خَوْفا من التدليس والتلبيس ، بخلاف ما بعدَ تدوينها ؛ لأنّ فائدةَ الرواية حينئذٍ إنّما هي اتّصال سلسلة الأسناد بالنبيّ صلى الله عليه و آله ؛ تبرّكا وتيمّنا ، وإلاّ فالحجّة تقومُ بما في الكتب ، ويُعرف القويّ منها والضعيفُ من كتب الجرح والتعديل . وهذا قويّ متينٌ .
ثمّ الإجازة تتنوّع أنواعا أربعة : لأنّها إمّا أن تتعلّق بأمرٍ معيّن لشخصٍ معيّنٍ ، أو عكسه ، أو بأمرٍ معيّنٍ لغيرهِ ، أو عكسه .
(و أعلاها) الأوّلُ ، وهو الإجازةُ (لمعيّنٍ به) أي بمعيّنٍ ، ك «أجزتُك الكتابَ الفلاني» أو «ما اشتمل عليه فِهْرستي هذا» .
و إنّما كانت أعلى لانضباطها بالتعيين ، حتّى زعم بعضُهم : أنّه لا خلافَ في جوازها وإنّما الخلافُ في غيرِ هذا النوعِ ۱ .
(أو) الإجازة لمعيّن (بغيره) أي غير معيّن ، كقولك : «أجزتُك مسموعاتي» أو «مرويّاتي» وما أشبهه . وهذا أيضا جائزٌ على الأشهر ، (و) لكنّ (الخلاف فيه أكثر) من حيث عدم انضباط المجاز ، فيبعد عن الإذن الإجمالي المسوّغ له .
ولو قُيِّدتْ بوصفٍ خاصٍّ ، ك «مسموعاتي من فلان» أو «في بلد كذا» إذا كانت متميّزة ، فأولى بالجواز .
(ثمّ) بعدهما في المرتبة : الإجازة (لغيره) أي غير معيّن ، ك «جميع المسلمين» أو «كلّ أحدٍ» أو «مَنْ أدرك زماني» وما أشبه ذلك ، سواءٌ كان بمعيّن ك «الكتاب الفلاني» أو بغير معيّن ك «ما يجوز لي روايتُه» ونحوه .
(و فيه) أيضا (خلافٌ) مرتّب في القوّة بحسب المرتبتين ، فجوّزه على التقديرين جماعةٌ من الفقهاء والمحدّثين ۲ .
و ممّن وقفت على اختياره لذلك من متأخّري أصحابنا شيخنا الشهيد ، وقد طلبَ

1.حكاه عن بعضهم ابن الصلاح في مقدّمته : ۱۰۶ ؛ والسخاوي في فتح المغيث ۲ : ۲۱۷ ـ ۲۱۸ .

2.اُنظر فتح المغيث ۲ : ۲۳۱ ـ ۲۴۵ .

صفحه از 295