الرعاية لحال البداية في علم الدراية - صفحه 254

(و هي) أي المكاتبة بهذه الصفة (في الصحّة والقوّة كالمناولة المقرونة بها) أي بالإجازة .
(و) الثاني : أن تقعَ (مجرّدةً عنها) .
و قد اختلف المحدّثون والأُصوليّون في جواز الرواية بها ، فمنعها قومٌحكاه في تدريب الراوي 2 : 55 عن قوم ، منهم القاضي أبو الحسن الماوردي والآمدي وابن القطّان ؛ وفتح المغيث للسخاوي 3 : 7 . ؛ من حيث إنّ الكتابة لا تقتضي الإجازة ؛ لما تقدّم من أنّها إخبار أو إذنٌ وكلاهما لفظيٌّ ، ولأنّ الخطوطَ تشتبه فلا يجوز الاعتماد عليها .
(و الأشهر) بينهم (جوازُ الرواية بها ؛ لتضمّنها الإجازة معنىً) وإن لم تقترن بها لفظا ؛ لأنّ الكتابة للشخص المعيّن وإرساله إليه أو تسليمه إيّاه قرينةٌ قويّةٌ وإشارة واضحةٌ تُشعر بالإجازة للمكتوب ، وقد تقدّم أنّ الإخبار لا ينحصر في اللفظ ، (كما يُكتفى في الفتوى) الشرعيّة (بالكتابة) من المفتي ، مع أنّ الأمر في الفتوى أخطرُ والاحتياط فيها أقوى .
(نعم ، يُعتبر معرفةُ الخطّ) أي خطّ الكتابِ للحديثِ (بحيث يأمنُ) المكتوبُ إليه (التزويرَ .
و شرطَ بعضُهم البيّنة) على الخطّ ۱ ، ولم يكتفِ بالعلم بكونه خطَّه ؛ حذرا من المشابهة ؛ إذ العلمُ في مثل ذلك عاديٌّ لا عقليٌّ .
و الأوّل أصحّ وإن كانَ هذا أحوطَ .
ثمّ على تقدير حُجيّة المكاتبة فهي أنزلُ من السَماع ، حتّى يرجّح ما رُوي بالسَماع على ما رُوي بها مع تساويهما في الصحّةِ وغيرِها من المرجِّحات ، وإلاّ فقد تُرجَّح المكاتبةُ بوجوهٍ أُخَرَ .
و قد وقع في مثل ذلك مناظرةٌ بين الشافعي وإسحاقَ بن راهوَيْه في جلود الميتة إذا دُبغتْ ؛ هل تطهرُ أم لا؟ يُناسب ذكرها هاهنا لفوائد كثيرة :

1.كالغزالي في المستصفى في علم الأُصول : ۱۳۱ ؛ وحكاه عنه السخاوي في فتح المغيث ۳ : ۱۰ .

صفحه از 295