يحكيه من ذلك ، والظاهر أنّه إلى هذا اسْتَرْوَح كثيرٌ من المصنّفين في ما نقلوه من ذلك ، واللّه أعلم .
(و في جواز العمل بالوِجادة) الموثوق بها (قولان) للمحدّثين والأُصوليّين :
فنُقل عن الشافعي وجماعةٍ من نُظّار أصحابه : جوازُ العمل بها ، ووجّهوه : بأنّه لو توقّف العملُ فيها على الرواية لانسدّ بابُ العمل بالمنقول ؛ لتعذُّر شرط الرواية فيها ۱ .
و حجّةُ المانع واضحهٌ ؛ حيثُ لم يحدّث به لفظا ولا معنىً .
(و لا خلاف) بينَهم (في منع الرواية) بها ؛ لما ذكرناه من عدم الإخبار .
(ولو اقترنت) الوِجادةُ (بالإجازة) بأنْ كان الموجودُ خطُّه حيّا وأجازه ، أو أجازه غيرهُ عنه ولو بوسائطَ ، (فلا إشكال) في جواز الرواية والعمل حيث يجوزُ العمل بالإجازة .
الفصل (الثالثُ في كيفيّة رواية الحديث)
اعلم أنّ العلماء بهذا الشأن قد اختلفوا في ما تجوز به روايةُ الحديث ، فأفرط قومٌ فيه ، وفرّط آخرون . وقد تقدّمَ في باب الوِجادة والإعلام والوصيّة النقلُ عمّن فرّط واجتزأ بروايته بمثل ذلك .
و أمّا من أفرط وشدّد ؛ فمنهم مَنْ قال : لا حجّة إلاّ في ما رواه الراوي من حفظه وتَذَكُّرِه . وهذا المذهبُ مرويّ عن مالك وأبي حنيفة وبعضِ الشافعيّة ۲ .
و منهم مَنْ أجاز الاعتمادَ على الكتاب بشرط بقائه في يده ۳ ، فلو أخرجه عنها ولو بإعارةِ ثقةٍ لم تجز الروايةُ منه ؛ لغيبته عنه المجوّزة للتغيير ، وهو دليلُ مَنْ يمنع الاعتمادَ على الكتاب .
و الحقّ المذهبُ الوسَطُ ؛ وهو جواز الرواية بها .
1.حكاه عنهم في مقدّمة ابن الصلاح : ۱۱۸ ـ ۱۱۹ ؛ وفي فتح المغيث للسخاوي ۳ : ۲۷ .
2.حكاه عنهم ابن الصلاح في مقدّمته : ۱۳۳ . وفي فتح المغيث ۳ : ۱۲۵ .
3.حكاه قولاً في مقدّمة ابن الصلاح : ۱۳۳ .