وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 337

قد اتّضح بها علمُ أُصول الحديث واستبان ، وافتضح بها جهله واستكان ، ولقد يصدّق الناظرُ فيها المثلَ السائرَ : «كم ترك الأوّل للآخر؟» ، وسمّيتها «وصول الأخيار إلى أُصول الأخبار» .
فدونك كلمات ينزرُ عددُها ويغزرُ مددُها ، تكسبك خلّةَ الأولياء ، وتلبسك حلّةَ الأنبياء ، وترشدك إلى طرق النقل والتحصيل ، وتُخرج قوّتَك القريبة إلى الفعل الجميل .
[وممّا حثّني على تأليف هذه الرسالة ـ بعد هربي من أهل الطغيان والنفاق ـ وأوجبه عليَّ ـ بعد اتّصالي بدولة الإيمان والوفاق ـ ما شاهدتُهُ من إقبال أهلها على اقتباس الفقه والحديث وحسن سلوكهم ، وتحقّقت به صدق المثل السائر : «الناس على دين ملوكهم»!
فيا للّهِِ من دولةٍ صافيةِ المشارع ، ضافيةِ المزارع ، ماتِعَةِ الظلّ ، بحورُها زاخرةٌ ، وبدورُها زاهرةٌ!
دولة مَلِكٍ تُزْجى الركائبُ إلى حَرَمِه ، وتُرْجى 1
الرغائبُ من كَرَمِه ، وتُنزَلُ المطالبُ بساحته ، وتُستَنْزَلُ الراحةُ من راحته ، قد بلغ نهاية الأطوار ، وبلغ غاية الأوطار ، فهو قبلةُ الصِلاتِ إنْ لم يكنْ قِبْلةَ الصلاة ، وكعبةُ المحتاج إنْ لم يكنْ كعبةَ الحُجّاج ، ومشعرُ الكِرام إنْ لم يكن المشعرَ الحرام ، ومُنى الضيف إنْ لم يكنْ مِنى الخَيْف ، بابُهُ غيرُ مُرْتَجٍ عن كلّ مُرْتَجٍ ، ونوابُهُ 2 أيُّ منهج لكلّ ذي مَنْهجٍ .

إذا غُلِّقتْ أبوابُ قومٍ لِعِلّةٍفبابُكَ مَفْتُوحٌ وليسَ بمُرْتَجِ
وسيفُكَ مَوْقُوفٌ على طلب العُلىوسيْبُكَ موقُوفٌ على كلّ مُرْتَجِ
فهو للأرزاق في الخصْبِ والجَدْبِ قاسمٌ ، وللأعمار بالحرب والضرب قاصمٌ ، فمِنَحُهُ رغائب ، ومِحَنُهُ غرائب ، قد أصبح لحجم الكفر ماحيا ، ولحمى الإيمان حاميا ، بهمّته تعزلُ السماك الأعزل لسموّها ، وتجرّ على المجرّة ذيل علوّها .

1.كذا الأنسب ، وفي النسخة : «توحى» .

2.كذا في النسخة ، ولعلّه : «ثوابه» .

صفحه از 515