وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 368

ولا مباحث ؛ مع أنّهم لم يُشاهَدوا قطُّ مختلِفينَ إلى معلّمٍ ۱ ، ولا ادّعى ذلك عليهم مدّعٍ من أوليائهم ولا من أعدائهم ، بل كلّ واحدٍ منهم يُسْنِدُ عن آبائه عن رسول اللّه .
وهذا من أقوى الأدلّة على اختصاصهم بالمزايا التي يقطعُ كلُّ ذي لبٍّ بأنّها من اللّه ؛ مَيَّزَهُمْ بها عن الخلق .
ومعجزاتُهُمُ الباهراتُ وإخبارُهُم بالمُغيَّبات ، ممّا قد نقله الثِقاتُ واشتهر في كلّ الأمكنة والأوقات .

أُولئكَ آبائي فجئني بمثلهمإذا جمعتْنا يا جريرُ المجامعُ
ثمّ إنّهم ـ صلواتُ اللّه وسلامُهُ عليهم ـ مع هذه الأخلاق الطاهرة والكرامات الظاهرة والعلوم الباهرة ، يُصَوِّبُونَ شيعتَهُم في الأخذ عنهم ، والعمل بفتاواهم ، ولم يزالوا يَعِيبُونَ على غيرهم ممّن قال برأيه اعتمادا على استحسانٍ أو قياسٍ ، وينسبونهم إلى الضلال والقول في الدين بغير الحقّ ، ويستخفّون رأيَ مَنْ يأخذُ عنهم وينسبونه إلى الجهل! يعلم ذلك علما ضروريا صادرا عن النقل المتواتر .
ومن رام إنكار ذلك كان كمن رام إنكار المتواترات من سنن النبيّ صلى الله عليه و آلهوسيرته ومعجزاته .
ولا مِرْيَةَ أَنَّ النَّقَلَةَ والنقل عنهم تزيدُ أضعافا كثيرةً عمّا نُقِلَ عن كلّ واحدٍ من رؤساء العامّة ، ومَنْ أنكرَ ذلكَ كانَ كمنْ أنكرَ الضروريّات من المُشاهدات .
وإذا اعتبرَ ذو أدنى عقلٍ وإنصافٍ جَزَمَ بصحّة نسبة ما نُقِلَ عنهم إليهم ، فإنْ أنكرهُ كانَ ذلك مُكابرةً محضةً وتعصّبا صِرْفا .
وحينئذٍ نقول : الجمعُ بينَ الإجماعِ على عدالتهم وتواترِ هذا النقل عنهم ـ معَ بُطلانِهِ ـ ممّا يأباهُ العقلُ ويُبطله الاعتبارُ بالضرورة ، وباللّه التوفيقُ .
ولقد بحثتُ مع بعض فضلائهم من أهل فارس ، وكان ذا إنصافٍ شهيرٍ وفضلٍ كثيرٍ ، ولكنّه لم يكنْ يعرفُ شيئا من أحوال الشيعة أصلاً ؛ لأنّه هَرَبَ مع والده من الشاه

1.أي من يأخذون منه العلومَ الإلهيّة ، وأمّا حضور بعضهم عند الكتاتيب فهو تظاهرٌ بما يدفع عنهم ما أرصده الأعداء ، وفيه مصالح هامّة ، كما لا يخفى .

صفحه از 515