وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 396

وكيف كان ، هو اختلاف في الاصطلاح .
وقد يُطلق عليه «المتّصل» و«المعنعن» وإن كان كلّ منهما أعمَّ منه .
وقد يُطلق نادرا «الصحيح» على : سليم الطريق من الطعن ، وإن اعتراه إرسالٌ أو قطعٌ ، فيُطلق على ما كان رجالُه المذكورون عدولاً وإن اشتمل بعد ذلك على أمرٍ آخر ؛ فيقولون : «روى ابن أبي عمير في الصحيح» وإن كانت تلك الرواية مرسلةً أو مقطوعةً ، أو كان ذلك الراوي لها ـ الذي أُسندت إليه ـ ليس عدلاً إماميّا ، ولكن صحّ ما سواه ، وإذا قيل : «صحيحٌ» فهذا معناه ، لا أنّه مقطوعٌ بصحّته ، وإذا قيل : «غير صحيح» فمعناه لم يصحّ إسناده ، لا أنّه كذب .
ولا شبهةَ في تفاوت طبقات صحّة الصحيح ، كما تتفاوت طبقات ضعف الضعيف ، وحُسن الحَسن .
وهو مقبولٌ عند أكثر أصحابنا المتأخّرين مطلقا ، وعند الكلّ إذا اعتضد بقطعيٍّ ، كفحوى الكتاب ، أو فحوى المتواتر ، أو عمومهما ، أو دليل العقل ، أو كان مقبولاً بين الأصحاب .
وقد يقبلون غير الصحيح أيضا إذا اعتضد بما ذكرناه ، ويردّون الخبر مطلقا : بمخالفة مضمونه الكتابَ ، أو السنّةَ ، أو الإجماعَ ؛ لامتناع ترجيح الظنّ على العلم ، وبإعراض الأكثر عنه ، وبمعارضته أقوى إسنادا أو متنا ، أو لمرجِّحٍ من المرجّحات .
إذا عرفت ذلك ، فصحاحُ العامّة كلّها وجميعُ ما يروونه غيرُ صحيح ، فلا يحكم بكذب كلّ واحدٍ واحدٍ من أحاديثها ولا بصدقه إلاّ بدليلٍ من خارج ، ولهذا لم يزَل علماؤنا المتقدّمون والمتأخّرون يتداولون نقل صحاحهم ورواياتهم بالرواية ، وصار ذلك متعارفا بينهم حتّى اتّصل إلينا من طرقنا وطرقهم ، وإنّما نقلها أصحابُنا لما يترتّب عليها من جواز العمل بالسنن والآداب وفضائل الأعمال والمواعظ وكلّ ما لا يتعلّق بالأحكام وصفات ذي الجلال والإكرام ، على ما اشتهر بين العلماء .
ويمكن أن يستدلّ لذلك بحديث : «مَنْ بَلَغَهُ شيءٌ من أعمال الخير فعَمِلَ به أعطاهُ

صفحه از 515