وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 410

أمّا «الشاذُّ» و«النادرُ» فهو عندنا وعند الشافعي : ما خالف المشهورَ وإن كان راويه ثقةً ، لا أنْ يرويَ ما لا يرويه غيره . وقد عمل بعضهم به ، كما اتّفق للشيخين في صحيحة زرارة في مَنْ دخلَ في الصلاة بتيمّمٍ ثمّ أحدث أنّه : «يتوضّأ حيثُ يُصيبُ الماءَ ، ويبني على الصلاة» ۱ .
وهو مُشْكِلٌ ؛ فإنّ أكثر أحاديثنا وأحاديثهم من هذا القبيل ، ولم يُطلِقْ أحدٌ عليها اسمَ الشاذّ .
وقد يُطلقُ على الشاذّ اسم «المنكر» .
وقال بعض المحدّثين : «الشاذُّ هو الفردُ الذي لا يُعرف متنُه من غير راويه»معرفة علوم الحديث : 119 . .
وفصّل ابنُ الصلاح من العامّة فقال : «الحديثُ إن خالفَ مَنْ تفرّدَ به أحفظُ منه وأضبطُ ؛ فشاذٌّ مردودٌ ، وإن لم يُخالف وهو عدلٌ ضابطٌ ، فصحيحٌ ، وإن رواهُ غيرُ عدلٍ ضابطٍ لكن لا يبعدُ عنهما ؛ فحسنٌ ، وإن بَعُدَ فمنكرٌ» ۲ .
فالمنكرُ ـ على هذا ـ : ما يرويه الضعيفُ مخالِفا لما رواهُ الناسُ ، كما قدّمناه .
واعلم أنّ قول الفقهاء والمحدّثين : «هذا الحديث تفرّدَ به فلان» أو «لم يروِه سوى فلان» لا يقتضي ذلك في الحديث شذوذا ولا نكرا ، بل يبقى له حكمه المقرّرُ . وأولى بذلك ما لو قالوا : تفرّدَ به أهلُ الحجاز أو العراق .

1.تهذيب الأحكام ۱ : ۲۰۵ ح ۵۹۵ ، باب في التيمّم وأحكامه ؛ والاستبصار باب من دخل في الصلاة بتيمم ۱ / ۱۶۷ ح ۵۸۰ ؛ ومن لايحضره الفقيه باب التيمم ۱ / ۵۸ ح ۲۱۴ .وإن خصّاها بحالة الحدث تأسّيا . وأمّا «المنكر» : فما خالف المشهور ، وكان راويه غير ثقةٍ . وقد يُطلق «الشاذُّ» عندنا خاصّة على ما لم يعمل بمضمونه العلماءُ ، وإنْ صَحَّ إسناده ولم يعارضه غيره أو تكرّر . وقال بعض العامّة : «الشاذُّ ما ليس له إلاّ إسنادٌ واحدٌ ؛ تفرّدَ به ثقةٌ أو غيره»حكاه في مقدّمة ابن الصلاح : ۶۱ ـ ۶۲ ؛ وتدريب الراوي ۱ : ۲۳۳ ؛ والمنهل الروي : ۵۰ .

2.مقدّمة ابن الصلاح : ۶۳ .

صفحه از 515