وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 440

وأجازها الأكثرُ ؛ ولهذا يُوجدُ في مصنّفاتهم : «كَتَبَ إليّ فلانٌ قال : حدّثنا فلان» ، وهو معمولٌ به عندهم ، معدودٌ في الموصول ؛ لإشعاره بمعنى الإجازة وإن لم يقترنْ بها لفظا ، ولأنّ الكتابةَ للشخص المعيّن وإرساله إليه قرينةٌ قويّةٌ على الإجازة للمكتوب . وقد تقدّمَ أنّ الإخبار لا ينحصرُ في اللفظ ، ولهذا يكتفى في الفتوى بالكتابة ، مع أنّ الأمرَ في الفتوى أخطرُ .
ويكفي في ذلك معرفةُ خطّ الكاتب ، وقد وقع للأئمّة عليهم السلاممن ذلك الكثيرُ الذي لا يُنكرُ ، مثل : «كَتَبْتُ إليه ، فكَتَبَ إليّ» و«قَرَأْتُ خطّهُ وأنا أعرفُهُ» ، ولم ينكرْ أحدٌ منّا جوازَ العمل به ، ولولا ذلك كانت مكاتباتُهم وكتاباتُهم عَبَثا .
وشَرَطَ بعضهم البيّنةَ ، وهو ضعيفٌ ؛ إذْ هو غيرُ معروفٍ ، والاعتمادُ في ذلك على الظنّ الغالب ، وهو حاصلٌ مع معرفة الخطّ وأمْن التزوير .
وطريقُ الرواية بها : «كَتَبَ إليّ فلانٌ» أو «أَخْبَرَنا مكاتبةً» أو «كتابةً» ، ولا يجوزُ إطلاق : «حَدَّثَنا» و«أَخْبَرَنا» مجرّدَيْنِ ؛ ليتميّزَ عن السماع وشبهه ، وإن جوّزَهما كثيرٌ من المحدّثين .
وإذا صحّت المكاتبةُ فهي أنزلُ من السماع ، فيرجّحُ ما رُوِيَ به عليها مع تساويهما في الصحّة ، وكيف كان ف «أخْبَرَنا» هنا أقربُ من «حَدَّثَنا» ؛ لأنّها إخبار في المعنى ، وقد أطلق الإخبار لغةً على ما هو أعمُّ من اللفظ ، كما قيل :
* وتُخْبِرُني العينانِ والقلبُ كاتِمُ *

السادس : الإعلام

وهو أن يُعْلِمَ الشيخُ الطالبَ أنّ هذا الحديثَ أو الكتابَ سماعه ، مقتصرا عليه .
وقد أوجبَ الكلُّ العملَ به إذا صحَّ سندُه ، وجوّزَ الروايةَ به كثيرٌ من علماء الحديث ؛ تنزيلاً له منزلةَ القراءة على الشيخ ، فإنّه إذا قَرَأَ عليه وأقَرَّ بأنّه روايتُه عن فلان ، جازَ له روايتُه عنه وإن لم يسمعه من لفظه ولم يقلْ له : «اِرْوِه عنّي» أو «أَذِنْتُ لك روايتَه عنّي» .

صفحه از 515