وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 448

أصل [ 2 ]

وإذا لم يكن المحدّث عالما بحقائق الألفاظ ومَجَازاتِها ومنطُوقها ومفهومها ومقاصدها ، خبيرا بما يُحِيْلُ معانيها ؛ لم يَجُزْ له الروايةُ بالمعنى بغير خلافٍ ، بل يتعيّن اللفظُ الذي سمعه إذا تَحَقَّقَهُ ، وإلاّ لم يَجُزْ له الروايةُ .
وأمّا إذا كان عالما بذلك ، فقد قال طائفةٌ من العلماء : لا يجوزُ إلاّ باللفظ أيضا . وجوّزَ بعضهم في غير حديث النبيّ فقط ۱ ؛ قال : لأنّه أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بالضاد ۲ ، وفي تراكيبه أسرارٌ ودقائقُ لا يُوقَفُ عليها إلاّ بها كما هي ؛ لأنّ لكلّ تركيبٍ معنىً بحسب الوصل والفصل والتقديم والتأخير وغير ذلك ؛ لو لم يُراعَ ذلك لَذَهَبَتْ مقاصدُها ، بل لكلّ كلمةٍ مع صاحبتها خاصّيةٌ مستقلّةٌ كالتخصيص والاهتمام وغيرهما ، وكذا الألفاظ المشتركةُ والمترادفةُ ، ولو وُضِعَ كلٌّ موضعَ الآخَرِ لفاتَ المعنى المقصودُ .
ومن ثَمَّ قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «نَضَّرَ اللّهُ عبدا سَمِعَ مقالتي وحَفِظَها ووعاها وأدّاها ؛ فَرُبَّ حامل فقهٍ غيرِ فقيهٍ ، ورُبَّ حامل فقهٍ إلى مَنْ هو أفقهُ منهُ» ۳ . وكفى هذا الحديث شاهدا بصدق ذلك .
والحقُّ أنّ كلَّ ذلك خارجٌ عن موضوع البحث ؛ لأنّا إنّما جوّزنا لمَنْ يفهمُ الألفاظَ ، ويعرفُ خواصّها ومقاصدَها ، ويعلمُ عدمَ اختلال المراد بها في ما أدّاهُ .
وقد ذهب جمهورُ السلف والخلف من الطوائف كلّها إلى جواز الرواية بالمعنى إذا قَطَعَ بأداء المعنى بعينه ؛ لأنّه من المعلوم أنّ الصحابةَ وأصحابَ الأئمّة ما كانوا يكتبون الأحاديث عند سماعها ۴ ، ويبعدُ ـ بل يستحيل عادةً ـ حفظُهم جميعَ الألفاظ

1.حكاه ابن الصلاح في مقدّمته : ۱۳۶ ؛ والشهيد الثاني في شرح البداية : ۱۱۶ .

2.تفسير ابن كثير ۱ : ۳۱ ؛ فيض القدير ۴ : ۵۴۲ .

3.سنن ابن ماجة ۱ : ۸۴ ـ ۸۶ ، ۲ : ۱۰۱۵ ؛ سنن الترمذي ۵ : ۳۴ ؛ سنن أبي داود ۳ : ۳۲۲ باختلاف في الألفاظ . ولاحظ شرح البداية : ۱۱۶ .

4.هذا غير معلوم على إطلاقه ، مع أنّ وجود الحفظ الخارق للعادة متحقّقٌ في بعض النماذج النادرة إلاّ أنّ وجود الاهتمام البليغ بالكتابة لخصوص الأحاديث الطويلة والنصوص التي بحاجة إلى مزيد العناية ، كالخطب الطويلة، أمر ثابت، فلاحظ حديث الحارث الهمداني في الكافي (۱ : ۱۴۱) . وقد نبّهنا في «تدوين السنّة» إلى أنّ جواز الرواية بالمعنى ـ مع وجود شروطه ـ إنّما هو في غير ما يكون للفظه مدخل في وجوده ، فلا يجوز ذلك في مثل الخطب ولا الكلمات القصار المبنيّة على سَجْعٍ معيّن أو رويٍّ وقافية محدّدة ، فإنّ ذلك يتطلّب المحافظة عليه ، حتّى يؤدّي دوره المراد في الإثارة والتأثير . فراجع كتابنا «تدوين السنّة الشريفة» .

صفحه از 515