وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 472

فيه بأشياء يمكنُ الجمعُ بأكْمَلَ منها ، وبأشياء غيرِ مَرْضِيّةٍ ، لكنّهُ سَبّاقُ الغاية في ذلك ، وإنّما يمشي الماشي بَعْدَهُ على أَثَرِهِ ، ويستضيءُ بنُوره .
وقد ألّفَ الشافعيُّ للعامّة فيه شيئا لم يستوفِ ما هناك ، ولكنّه نَبَّهَهُم على الطريق ، وصَنَّفَ لهم بعدَه ابنُ قُتيبة فأتى بأشياء مرضيّة وغير مرضيّة .
القسم الثالث : أنْ يترجّحَ أحدُهما على الآخَر بوجهٍ من التراجيح المقرّرة في الأُصول ، الراجعة إلى سنده أو متنه أو زمانه أو حكمه أو نحو ذلك ، وقد كفانا الأُصوليّون البحثَ عن وجوهه .
وأمّا حقيقتُه : فهو عبارة عن النَظَر والفَحْص عمّا يتقوّى به كلُّ واحدٍ منهما ، ثمّ الموازنة بين المُرَجِّحات ، والحكم لما كان مرجّحاتُه أكثرَ أو أقوى .
وهذه لجّةٌ عميقةٌ بل بحرٌ متّسعٌ لا يكادُ يُدْرِكُ قرارَه .
وكثيرٌ من الاختلاف حَصَلَ باعتبار اختلاف أنظار الفقهاء في ذلك ، حيثُ إنّ بعضهم قد يتفطّنُ لمُرجّحاتٍ لم يتفطّن لها الآخَر ، أو يترجّحُ في نفسه قوّةُ مُرجّحٍ على آخَر ، ويترجّحُ العكسُ عند آخَر ، أو نحو ذلك .
واعلم أنّ المُحَقِّقين من العُلماء على وجوب الفَحْص في الترجيح على المُجْتهد ليعملَ بالراجح ، بل كادَ يكونُ إجماعا ، ومَنْعُ بعضِ المُخالفين منه ليس بذي وجهٍ ؛ لأنّ العُرْفَ والعقلَ والشرعَ تقضي بوجوب العمل بالراجح :
أمّا العُرْفُ: فظاهرٌ ؛ لأنّ مَنْ تتبّع العملَ بالأوهام وترك الأُمور الراجحة عُدَّ سفيها.
وأمّا العقلُ : فلأنّه يمنع من العمل بالمرجوح مع وجود الراجح ، ويحكمُ على فاعله أيضا بالسَفَه .
وأمّا الشرعُ : فلا يخفى فيه وجوبُ العمل بالظنّ الغالب في أكثر موارده من لَدُنْ نبيّنا عليه السلامإلى يومنا هذا .
وأمّا ما جاء في القُرآن من النهي عن اتّباع الظنّ ۱ ، فالمرادُ به الوَهْمُ ؛ لأنّه يُطلقُ عليه

1.سورة الأنعام (۶) : ۱۱۶ و۱۴۸ ؛ سورة يونس (۱۰) : ۳۶ و۶۶ ؛ سورة النجم (۵۳) : ۲۳ و۲۸ .

صفحه از 515