وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 473

اسمُ الظنّ لُغَةً ؛ إمّا حقيقةً أو مَجازا ، أو المُرادُ فيما الغَرَضُ فيه العلمُ من العقائد ، كما هو الظاهرُ ؛ لأنّ الآياتِ وردتْ في حقّ الكُفّار ؛ لأنّهم كانوا يَتْرُكون الأُمورَ الجليّةَ ويتّبعون الأوهامَ والإمكاناتِ التي تُوافقُ هَوى أنفسهم .
وأحاديثُنا شاهدةٌ بوجوب الترجيح والعمل بالراجح ، ومقبولةُ عُمَر بن حَنْظلة ترشدُ أيضا إلى ذلك وإلى فوائد أُخرى ، فلنوردها لكثرة نفعها :
رُوّيْنا بأسانيدنا المتّصلة إلى محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عيسى ، عن صَفْوان بن يحيى ، عن داوُد بن الحُصَيْن ، عن عُمَر بن حَنْظلة قال :
سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلامعن رجلين من أصحابنا بينَهما مُنازَعةٌ في دَيْنٍ أو مِيراث ، فتحاكما إلى السُلطان وإلى القُضاة ، أيحلُّ ذلك؟ قال : «مَنْ تحاكمَ إليهم في حقٍّ أو باطلٍ ، فإنّما تحاكمَ إلى الطاغُوت ، وما يحكمُ له فإنّما يأخُذُهُ سُحْتا وإنْ كان حقّا ثابتا له ؛ لأنّه أَخَذَهُ بحُكم الطاغُوت وما أَمَرَ اللّهُ أنْ يكفروا به ؛ قال اللّه عزّ وجلّ : «يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّـغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ»۱ » .
قلتُ : كيفَ يَصْنعان؟
قال : «يَنظران مَنْ كان منكُم مِمَّنْ قد رَوى حديثَنا ، ونَظَرَ في حلالِنا وحرامِنا ، وعَرَفَ أحكامَنا ، فليرْضَوا بِهِ حَكَما ، فإنّني قد جَعَلْتُه عليكم حاكِما ، فإذا حَكَمَ بحُكْمِهِ فلم يَقْبَلْهُ منه فإنّما اسْتَخَفَّ بحُكْم اللّه ، وعلينا رَدَّ ، والرادُّ علينا الرادُّ على اللّه ، وهُما على حدِّ الشِرْك باللّه » .
قلتُ : فإنْ كان كلُّ واحدٍ اختارَ رجلاً من أصحابنا ، فَرَضِيا أنْ يكونا الناظِرَين في حَقِّهما ، فاخْتَلفا في ما حَكَما ، وكلاهُما اخْتَلَفَ في حديثكم؟
قال : «الحُكْمُ ما حَكَمَ به أعدَلُهما وأفقَهُهُما وأصدَقُهما في الحديث وأورَعُهما ، ولا يُلتفت إلى ما يَحْكُمُ به الآخَرُ» .

1.سورة النساء (۴) : ۶۰ .

صفحه از 515