وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 489

بهم ، وتعذّرتْ خبرتهم باطنا .
وأكثرُ العامّة أو كلُّهم يقبلُه ، وعليه عملُهم في كُتُبهم المشهورة ، قالوا : لأنّ أمرَ الأخبار مبنيٌّ على حُسْن الظنّ بالمُسلم ، ونشر الحديث مطلوبٌ ، ومعرفة الباطن متعذّرةٌ .
الثاني : قال بعضُ العامّة : «المجهولُ عند أهل الحديث مَنْ لم يعرفه العلماءُ ، ولا يُعرَفُ حديثُه إلاّ من جهةٍ واحدةٍ» ۱ .
وقال بعضُهم : «مَنْ روى عنه اثنان عيّناهُ ، ارتفعت الجهالةُ عن عينه» ۲ .
وكلُّ ذلك ليس عندنا بشيءٍ ، والمَجهُول عندنا : مَنْ لم يُوثَّقْ ، ولم يُضَعَّفْ ، ولم يُمْدَحْ ؛ وإنْ روى عنه الناسُ وعُلِمَت نسبتُه واسمُه .
نعم ، إذا عُلِمَ صحّةُ عقيدته ارتفعتْ جهالتُه من هذه الحيثيّة ، وكان ذلك نوعا من المدح ، فربّما دَخَلَ في قسم الحَسَن ، وكذا إذا روى عنه الناسُ ، وله كتابٌ ، ونحو ذلك .
وبالجملة ، مراتبُ المجهول تتفاوتُ كتفاوت الموثَّق والممدوح والضعيف .
الثالث : تُقبَلُ روايةُ التائب من الفِسْق ، إلاّ الكذب في أحاديث الرسُول ، فلا تُقْبَلُ أبدا وإنْ تابَ . كذا قاله بعضُ العامّة ۳ .
وهو مخالفٌ لقواعد مذهبنا ، ومذهب العامّة أيضا ، والأقوى : القبولُ ، وأنّه لا فرقَ بينَه وبينَ الشهادة .
الرابع : إذا روى حديثا عن رجلٍ ، ثمّ نفاهُ المرويُّ عنه ، فإنْ كان جازما بنفيه وَجَبَ ردُّه ، ولا يقدحُ ذلك في باقي رواياته عنه ولا عن غيره وإن كان مكذِّبا لشيخه في ذلك ؛ إذ ليس قبولُ جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه ؛ فتساقطا . كذا قيل . وفيه نظر .
وإنْ قال المرويُّ عنه : «لا أعرفُه» أو «لا أذكُرُه» أو نحو ذلك ، لم يقدح .

1.قاله الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية : ۸۸ ؛ وحكاه عنه في مقدّمة ابن الصلاح : ۹۰ .

2.قاله ابن الصلاح في مقدّمته : ۹۰ .

3.قاله ابن الصلاح في مقدّمته : ۹۱ ، وحكاه أيضا عن جماعة .

صفحه از 515