وصول الأخيار إلي أُصول الأخبار - صفحه 490

الخامس : مَنْ روى حديثا ثمّ نَسِيَهُ ، جازَ له روايتُه عمّنْ رواه عنه والعملُ به على الصحيح ، وهو قولُ الجمهور من الطوائف كلّها ؛ لأنّ الإنسان عُرْضَةٌ للنسيان ، والفَرْضُ أنّ الراوي عنه ثِقةٌ جازمٌ ، فلا تُردُّ روايتُه بالاحتمال ، وقد روى كثيرٌ من الأكابر أحاديثَ نَسُوها عمّن أَخَذَها عنهم ، فقالوا : «حدّثني فلانٌ عنّي : أنّي حدّثتُه بكذا» .
السادس : إذا قال الراوي : «حدّثني فلانٌ أو فلانٌ» وهما عدلان احْتُجَّ به ، وإلاّ فلا ، وكذا لا يُحتجُّ به إذا قال : «فلانٌ أو غيره» .
السابع : لا تُقبلُ روايةُ مَنْ عُرِفَ بالتساهُل في سماعه أو إسماعه ، كمَنْ لا يُبالي بالنَوْمِ في السماع ، أو يحدّثُ لا من أصلٍ مصحّحٍ ، أو عُرِفَ بكثرة السَهْو ، أو كثرة الشواذّ والمناكير في حديثه ، وقد بَيَّنَ نُقّاد الرجال من عُلمائنا في كتبهم كثيرا ممّن يتّصفُ بهذه الصفة .
الثامن : مَنْ بُيِّنَ في حديثه غَلَطٌ ، فأصَرَّ عليه ، سَقَطَتْ روايتُه إنْ أصَرَّ عنادا .
التاسع : مَنْ خَلَّطَ لذهاب بَصَرٍ ، أو لخَرَفٍ ، أو فِسْقٍ ، أو بدعةٍ ، أو كفرٍ بِغُلُوٍّ ونحوه ، قُبِلَ ما حدّثَ به قبلَ ذلك ، دونَ ما بعدَه ، ودونَ ما يُشَكُّ فيه ، كما في أبي الخَطّاب وأشباهه .
العاشر : قد أعْرَضَ الفريقان من المُخالِف والمُؤالِف في زماننا هذا عن كثيرٍ من هذه الشُرُوط ؛ لكون الأحاديث عندنا وعندهم قد تلخّصتْ ، وهُذِّبتْ ، وجُمِعَتْ في كتبٍ معروفةٍ مشهورةٍ ، وقد صار المقصودُ إبقاء السِلْسِلة متّصلةَ الإسناد ، المختصِّ بهذه الأُمّة .
ولا يعتبرُ ـ حينئذٍ ـ إلاّ ما يليقُ بالمقصود ، وهو كونُ الشيخ بالِغا ، عاقِلاً ، عَدْلاً ، غيرَ مُتساهِلٍ ولا مُسْتَخِفٍّ بالأحاديث ، مُثْبِتا أحاديثَه بخطٍّ ، غير متّهمٍ بروايتِه من أصلٍ مصحّحٍ موافقٍ لأصلِ شيخه .
وقد شَرَطَ كلَّ ذلك أيضا أهلُ السُنّة ، إلاّ العدالةَ ؛ فإنّهم ... بَنَوْا على أصلهم من الاكتفاء بعدم التَظاهُر بالفِسْق ۱ .

1.في الهامش : «ثمّ بَلَغَ قراءة أيّده اللّه تعالى» .

صفحه از 515