الفنُّ الثاني من القواميس - صفحه 196

و ليحذر كلّ الحذر من أن يمنعه الحياء و العجب و الكبر من السعى التامّ في التحصيل ، و أخذ العلم ممّن دونه في نسب أو سنّ أو غير ذلك ؛ فإنّ الحكمة ضالّة المؤمن كلّما وجدها أخذها.
ثمّ ليصبر على جفاء شيخه من شتمه إيّاه و الإعراض عنه و طرده ، و ليكثر من الشيوخ كما كانت عليه عادة السلف ؛ فإنّ فوائد الاستكثار كثيرة و بركاته وفيرة حتّى في أمثال الإجازات العامّة و المكاتبات و المناولات ، و لكن ينبغي أن يكون الملحوظ من الاستكثار الفوائد و الأغراض الصحيحة لا مجرّد اسم الكثرة.
و من أعجب الأُمور و أغربها ما ذكر بعض فضلاء العامّة من أنّ أبا سعيد إسماعيل ابن عليّ السماك الرازيّ الحافظ الكبير الرجالي صاحب التصانيف قيل : إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لم ير مثل نفسه ، و هو القائل : من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام . ۱ توفّي سنة 444ه .
ثمّ ليكتب و ليسمع ما يقع له من كتاب أو جزء بكماله و لاينتخب ، فإن احتاج إليه تولاّه بنفسه فإن قصر عنه استعاره بحافظ ثقة و نحوه.
و لاينبغي أن يقتصر على سماعه و كتبه دون معرفته و فهمه فليتعرّف صحّته و ضعفه و فقهه و معانيه و لغته و إعرابه مطلقا و دقائق المعارف و رقائق الحكم في الأخبار المتعلّقة بأُصول العقائد و الحكمة النظريّة و العملية و ما يتعلّق بأسماء رجاله محقّقا كلّ ذلك معتنّيا بإتقان المشكلات و المعضلات في كلّ باب حفظا و كتابة ، مقدّما كتب المحمدين الثلاثة ثقة الإسلام الكليني و الصدوق و شيخ الطائفة و من يحذو حذوهم ـ رضي اللّه عنهم ـ ثمّ ما تمسّ إليه الحاجة من أيّ عالم و محدّث كان من علمائنا و محدّثينا .
ثمّ إنّ في تتبّع كتب الأحاديث من العامّة فوائد كثيرة و عوائد وفيرة من إلزامهم و إفحامهم و زيادة البصيرة في أمر السلف و نحو ذلك ، و لم يذق حلاوة ذلك إلاّ النطس

1.العبر في خبر من غبر ۳ : ۲۱۱ .

صفحه از 205