رسالة في ثقة - صفحه 85

يحكمون بعدالة الرواة ، ويستندون في ذلك إلى الشيخ والنجاشي وابن الغضائري وغيرِهم من علماء الرجال ، فإذا رجعنا إلى دفاترهم لم نَجِدْ في كلامهم ۱ إلاّ الإطلاق ، غيرَ أ نّهم لا يُعَوّلون إلاّ على أرباب البصائر التامّة في هذا الشأن كالمذكورين ، دونَ من ضَعُفَ مَقامُه إلاّ أن يَذكُرَ السبَبَ ، وكذلك وَجَدْناهم يحكمون بالضَعْف ويَقِفون من الأخذ بالخبر إذا رماه واحدٌ من هؤلاء بالضعف .
وبالجملة، لا إشكال في قبول التعديل من علماء الرجال من دون ذِكْر السبب؛ لظهور إرادتهم ما هو مُتَّفَقٌ عليه في زمانهم ؛ لكون دأب المصنّفين وطريقتهم في تصانيفهم وتآليفهم ذلك ؛ لمنافاة إرادة غيره لمقصودهم الذي هو رجوع مَنْ تأخَّر عنهم إليها وانتفاعهم بها ، ولا يُطْلِقُون إلاّ إذا كان المرادُ ما لا خلافَ فيه ، وإن أرادوا ما فيه خلاف ، فطريقتهم الإشارة إلى ذكر السبب ، أو بيان ما وقع الخلافُ فيه . وكذلك الجرح ، فلا يخرجون مطلقا إلاّ بما كان عند الكلّ جرحا .
فإن قلت : إنّ ما ذكرتَ من إرادة المعنى الذي هو متّفَق عليه وإن كان يستلزم تعميم النفع لكنّه مفوّت لفائدة اُخرى ، وهي أ نّه قد يكونُ مذهبُ المجتهدين اللاحقين أنّ العدالةَ هي المعنى الأدنى ، فلا يُعلمُ حينئذٍ هل كان متّصفا بهذا المعنى أم لا؟ فلو لم يُسْقطْ المؤلّف اعتبار هذا المقدار لكان النفع ۲ أكثر .
قلنا : ـ مع أنّ هذا النفعَ بالنسبة إلى الأول أقلّ ؛ لذهاب الأكثر إلى المعنى الأعلى ، والقول بالمعنى الأدنى بالنسبة إليه نادر كما يظهر من التتبّع في كلمات القوم ، بل ادّعى بعضُهم اتّفاقَ الكلمة على المعنى الأعلى فيه ـ إنّا نراهم يَمْدَحون الرجلَ بمدائح كثيرة توجبُ العدالةَ بمعنى حُسْن الظاهر ، بل وأكثر منه ، ومع ذلك لا يصرّحون بعدالتهم ، فمَن ليس مذهبه في العدالة المعنى الأعمّ فليأخذْ بمقتضى

1.في «د» : «كلماتهم» .

2.في «د» زيادة : «بالنسبة» .

صفحه از 233