رسالة في أصحاب الإجماع - صفحه 107

[البحث في من فوق الجماعة ]

وعلى ذلك المنوال الحالُ في من فَوقَ الجماعة بناءً على دلالة نقل الإجماع على اعتبار الخَبَر ؛ حيث إنّ الصحّة وإن لاتستلزم عدالتهم ـ ويمكن أن يكون الإجماع على الصحّة باعتبار اطّلاع العِصابة والأصحاب على عدالة الجماعة وعدم رواية الجماعة إلاّ ماكان مظنون الصدور لهم بواسطة اطّلاعهم على تحرّز من رووا عنه عن الكذب ، أو مساعدة القرائن الخارجة على حصول الظنّ بالصدور فيما رووا عمّن رووا عنه ، والظاهر إصابتهم في ظنّهم ـ إلاّ أنّ العمدة في حصول الظنّ بالصدور إنّما هي عدالة الراوي ولو بالمعنى الأعمّ .
مع أنّه قد يضعف حديث الراوي في الرجال بروايته عن الضعفاء ، على أنّ حصول القرائن الموجبة للظنّ بالصدور للجماعة في كلّ موردٍ رووا فيه في كمال البُعد .
فالظاهر كون ركون الجماعة إلى رواية مَنْ فَوقَهم بواسطةِ اطّلاعهم على كون مَنْ فَوقَهم بمكانٍ من الورع ؛ بحيث لايسامح أيضاً في أخذ المسائل ، ولايرتكب الحرام ، ولايترك الواجب عن تعمّدٍ ؛ فالظاهر كون إجماع العِصابة والأصحاب من جهة الاطّلاع على عدالة الجماعة واطّلاعهم على عدم رواية الجماعة إلاّ المرويّ الذي كان برواية ثقةٍ عن ثقةٍ ، ولعلّ التفرقةَ في المقام بالدلالة على عدالةِ الجماعةِ دون مَنْ فَوقَهم ـ كما جرى عليه المستدلّ بالاستدلال المزبور ـ غيرُ مناسبةٍ .
فقد بانَ دلالةُ نقل الإجماع على عدالة الجماعة ، بل عدالةِ مَنْ فَوقَهم على تقدير دلالته على اعتبار الخبر .
لكن لادلالة فيه على كون الجماعة أو مَنْ فَوقَهم إمامياً ؛ حيث إنّ غاية الأمر دلالة نقل الإجماع على كون الجماعة ـ بل ومَنْ فَوقَهم ـ في مكانٍ عالٍ من الورع والتقوى ، لكن لاظهور للعبارة في الإماميّة ، كما أنّه لاظهور لكون الشخص
في مكانٍ عالٍ من الورع والتقوى في كونه إمامياً ، كيف والحسن بن عليّ بن فضّال في كمال الوثاقة ، وكذا ابنه ـ كما يظهر بالرجوع إلى الرجال ۱ ـ وهما فطحيان ، بل قد تكثّر من كان فاسد العقيدة واتّفق في باب التوثيق ، بل قد ادّعى الشيخ في العدّة الإجماع في حقّ جماعاتٍ متعدّدةٍ من أُولي فساد العقيدة ۲ كما يأتي ، ونقلُ الإجماع منه ظاهرٌ أيضاً في العدالة ، وإن ثبت خلافه في بعض الأشخاص المدّعى في كلامه الإجماعُ في حقّهم .
نعم ، يمكن القولُ بأنّ الغالبَ في أصحاب الأئمّة الإماميّةُ ، فالمشكوك فيه يلحق بالغالب .
فقد ظهر ضعف دعوى الدلالة على عدالة الجماعة بالعدالة بالمعنى الأخصّ في الاستدلال المزبور ، والأظهرُ الدلالة على العدالة بالمعنى الأعمّ ، إلاّ أنْ يقال : إنّ غاية مايتأتّى ممّا تقدّم إنّما هي الإجمال ۳ بين الأخصّ والأعمّ ، لاالظهورُ في الأعمّ .
إلاّ أن يقال : إنّ الإجمالَ خلافُ الظاهر ؛ حيث إنّه خلاف غالب مايقع في الكلمات ، ولاسيّما الإجمال بين الأخصّ والأعمّ ، فإنّه مِن أندرِ النوادر ، فلمّا لم يثبت الانصراف إلى الأخصّ يتأتّى الظهور في الأعمّ .
وبعد ، فما ذكره المستدلّ في الاستدلال المذكور ـ من قوله : «نقول : إنّ المدّعى ظهور العبارة فيما ذكر» ۴ ـ يتطرّق عليه الإشكال بأنّ مقتضى كلامه السابق دعوى ظهور شدّة الاعتماد المستند إليه الإجماع على التصديق والتصحيح أو المستفاد من نقل الإجماع في العدالة بالمعنى الأخصّ ؛ حيث إنّه لم يدّعِ دلالةَ العبارة على العدالة ، بل مقتضى كلامه أنّ الظاهرَ عند العقلِ كونُ شدّة الاعتماد
المستند إليه الإجماع المذكور بحكم العقل أو المستفاد من نقل الإجماع من جهة العدالة ، فجعْل المدّعى ظهورَ العبارة في العدالة بالمعنى الأخصّ ليس على ماينبغي ، نعم لوكان ادّعى من وراء الادّعاء المزبور ظهورَ العبارة في العدالة بالمعنى الأخصّ ، لكانَ هذا أمراً آخَرَ ، وإن كان محلَّ المنع .
لكن نقول : إنّ مقتضى الكلام السابق من المستدلّ إنّما هو دعوى الظهور العقلي والظهور اللفظي معاً ، ولاينحصر دعواه ۵
في الأوّل فقط ، ۶ فلايرد عليه دعوى خلاف ماتقدّم ، بل الإيراد عليه أنّه لم تنحصر الدعوى في الظهور اللفظي كما هو مقتضى قوله : «المدّعى ظهور العبارة» . وكان المناسب أن يقول : «المدّعى ظهور ماذكر» لكي يشمل كلاًّ من الظهور العقلي والظهور اللفظي .
لكن يمكن أن يقال : إنّ الظهور اللفظي إنّما ادّعاه بلفظة «بل» والظاهرُ منها في أمثال المقام الترديدُ ، فالعمدة فيما تقدّم من الدعوى هي الظهور العقلي ؛ فيرد عليها الإشكال المذكور .
ويمكن الذبّ عن القول بلزوم توثيقهم لكلّ من ادّعي الإجماع في حقّه على تقدير الدلالة على العدالة بالمعنى الأعمّ كما ذكر في السؤال المذكور ، بما ذكره سيّدنا من أنّه ليس بناء أهل الرجال على التوثيق بمثل ذلك ، بل إنّما يوثّقون إذا ثبتت الوثاقة بالطرق الجليّة الواضحة ، ومدّعي الإجماع المذكور ـ أي الكشّي ـ ليس بناؤه على توثيق الرجال وجرحهم إلاّ نادراً ، فعدم توثيقهِ لاينافي الوثاقة ، ولعلّ الإجماع لم يثبت على غيره ؛ فلذا لم يرتكب التوثيق .
والحاصل : أنّ الكشّي الذي حكى الإجماع المذكور ليس بناؤه على التوثيق في الغالب ، فعدم التوثيق منه لاينافي الوثاقة ، وغيره لم يثبت ثبوت الإجماع عنده ، فلايضرّ عدم توثيقه .
وربّما أورد سيّدنا على دعوى الدلالة على العدالة بالمعنى الأخصّ ـ كما في الاستدلال المتقدّم ـ بأنّه لامنافاة بين شدّة الاعتماد وفساد العقيدة ؛ إذ كم من فاسد العقيدة يكون في غاية الاعتماد وأعلى درجات الوثاقة ، مثل الحسن بن عليّ بن فضّال ، وليس فسادُ العقيدة منافياً عندهم لقبول الخبر ، ولذا عملت الطائفة بمارواه العامّة والفطحيّة كما ذكره الشيخ ۷ ، بل مدارُ أمر القبول عندهم على الاعتماد ، وإذا كان حاصلاً في الراوي تقبل روايته ، فالإجماع على القبول لايستلزم صحّة العقيدة ، فلايدلّ على العدالة بالمعنى الأخصّ ، بل غاية مايستفاد منه العدالةُ بالمعنى الأعمّ .
وهذا مستنده على دعوى كون العدالة المدلول عليها بالمعنى الأعمّ .
ويتطرّق عليه الإيراد بأنّ مجرّدَ عدم منافاة فساد العقيدة لشدّة الاعتماد لاينافي القول بالدلالة على العدالة بالمعنى الأخصّ ؛ إذ غاية الأمر حينئذٍ أن يقال : إنّ شدّةَ الاعتماد أعمّ من العدالة بالمعنى الأخصّ ، ولادلالة للعامّ على الخاصّ .
ويظهر ضعفه بما مرّ ؛ حيث إنّ العامَّ لادلالةَ [له] على الخاصّ دلالة قطعيّة ، لكن ربّما يكون ظاهراً فيه ، كما في ظهور المطلقات في الأفراد الشائعة وغيره كما مرّ ؛ فلو ادّعى المدّعي للدلالة على العدالة بالمعنى الأخصّ ظهورَ شدّة الاعتماد ـ المستندِ إليه الإجماعُ على التصديق والتصحيح ، المنقولُ في كلام الكشّي ـ في العدالة بالمعنى الأخصّ (وإن كان أعمَّ منها ، بمعنى أنّ الظاهر كون شدّة الاعتماد من جهة العدالة بالمعنى الأخصّ) ، ۸ أو ادّعى ظهور عبارة الكشّي في ذلك ، فلا يندفع بالإيراد بعدم المنافاة ، نعم يندفع الإيراد بمنع الظهور كما ذكرناه .

1.انظر رجال النجاشي : ۳۴ / ۷۲ و ۲۵۷ / ۶۷۶ .

2.عدّة الأُصول ۱ : ۱۵۰ .

3.في «د» : «الإجماع» ، وفي «ح» : «الاعمال» والأنسب ما أثبتناه .

4.تقدّم في ص ۱۰۴ .

5.في «د» : «دعوته» .

6.في «د» : «ولا» .

7.عدّة الأُصول ۱ : ۱۵۰ .

8.ما بين القوسين ليس في «د» .

صفحه از 194