رسالة في أصحاب الإجماع - صفحه 130

[في التشبيه بالصحيح وردّه ]

وأمّا التشبيه بالصحيح ، فتحرير الكلام في تشيينه : أنّه إن قلنا بدلالة نقل الإجماع على توثيق الجماعة ومَن فَوقهم ، فالحديث قد يكون من الصحيح ولاوجه للتشبيه ، كما لو كان بعض مَن فَوقَ الجماعة إمامياً ممدوحاً أو غير ممدوح ولو قلنا بدلالة نقل الإجماع على العدالة بالمعنى الأعمّ لو قلنا بثبوت الإماميّة من جهة الغلبة .
وقد يكون من الموثّق ولاوجه للتشبيه أيضاً ، كما لو كان بعضُ الجماعة أو بعض مَن فَوقَهم غير إمامي مصرّحاً بالتوثيق ؛ حيث إنّ سوء المذهب لايتناقض بنقل الإجماع ، والنتيجةُ تابعةٌ لأخسّ المقدّمتين كما هو حديث معروف ، كيف ولو بلغت إحدى المقدّمتين في القياس إلى حدّ القطع ، وكانت المقدّمة الأُخرى ظنّيّة ، لاتتجاوز النتيجة عن الظنّ ، ودنوُّ الموثّق عن الصحيح ـ باعتبار سوء المذهب عندهم ، وهؤلاء ـ يرد عليه فتور بواسطة نقل الإجماع ولو بلغ في إفادة
التوثيق مابلغ .
مع أنّ ظاهرَ التشبيه أن يكون الموثّق المذكور أعلى رتبةً من سائر الموثّقات ، مع أنّه غير مربوط بوجهٍ يقتضيه ؛ حيث إنّ التوثيق المستفاد من نقل الإجماع لايتجاوز عن التوثيق باللفظ الصريح ، بل هذا التوثيق أقوى ؛ لصراحته .
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ التوثيقَ المستفاد في المقام وإن كان أضعَف من التوثيق ب «ثقة» إلاّ أنّ الوثاقة المستفادة هنا هي الوثاقةُ التامّة المتأكّدة ، ولذا يصير الموثّق المذكور أعلى رتبةً من سائر الموثّقات ، فلابأس بالتشبيه .
إلاّ أنّه يندفع : بأنّه لوكان الأمر على هذا ، لصحَّ بل لزم التشبيه بأن يقال : الموثّق كالصحيح فيما لو كان بعضُ رجالِ السندِ غيرَ إمامي مصرّحاً بالتوثيق مع تأكيد التوثيق ، كما لو تعدّد التوثيق ، ولاسيّما لو تكثّر التأكيدُ والعددُ ، أو تأكّد الوثاقة ، كما لو قيل في التوثيق : «ثقة بوثاقة تقرب العصمة» .
مع أنّه لو كان الأمرُ على ذلك ، للزم تقديم الموثّق على الصحيح في صورة تأكيد التوثيق أو تأكّد الوثاقة .
وإن قلت : إنّ التشبيه باعتبار الموثّق هنا عند الكلّ .
قلت : هذا المقال غيرُ ثابتٍ كما يظهر ممّا يأتي .
وبما ذكرنا يظهر الحال فيما لوكان بعض الجماعة غيرَ إمامي غيرَ مصرّحٍ بشيء ، كما هو الحال في عثمان بن عيسى ۱ على ما مرّ ، أو ممدوحاً كما هو الحال في أبان بن عثمان ۲ على ماجرى عليه التقسيم؛ فإنّ الحديث من الموثّق ، ولايصحّ التشبيه .
وقد يتأتّى الإشكال فيما لو كان بعضُ مَنْ فَوقَ الجماعة غير إمامي غير مصرّح
بشيء أو ممدوحاً ، بناءً على دلالة نقل الإجماع على العدالة بالمعنى الأخصّ .
وبالجملة ، فلو كان الاختلالُ من جهة بعض الجماعة ، فالحديث من الموثّق ، ولو كان الاختلال من جهة بعض مَنْ فَوقَ الجماعةِ ، فالبعض إمّا من رجال الصحيح أو الموثّق أو الحسن أو القويّ أو الضعيف ، فالحديث على الأوّل والثاني والرابع من الموثّق ، وعلى الثالث من الصحيح .
وكذا الحال على الأخير إن كان البعضُ إمامياً أو مجهولَ الحال لو قلنا بثبوت كونهِ إمامياً بالغَلَبَة ، سواء قلنا بدلالة نقل الإجماع على العدالة بالمعنى الأخصّ أو الأعمّ .
وكذا الحال لو كان غيرَ مصرّحٍ بشيء لو قلنا بدلالة نقل الإجماع على العدالة بالمعنى الأعمّ . وأمّا لو قلنا بالدلالة على العدالة بالمعنى الأخصّ فيتأتّى الإشكال ، وإن قلنا بدلالة نقل الإجماع على توثيق الجماعة فقط ، فلايصحّ التشبيه ، والحديث من الموثّق لو كان بعضُ الجماعة غير إمامي مصرّحاً بالتوثيق أو غير مصرّح بشيء أو مصرّحاً بالمدح .
وكذا الحال لو كان بعضُ من فَوقَ الجماعة غيرَ إمامي مصرّحاً بالتوثيق ، وأمّا لو كان غير إمامي مصرّحاً بالمدح ، فالحديث من القويّ ، ولايصحّ التشبيه بالصحيح . نعم ، يصحّ أن يقال : القويّ كالموثّق ، وأمّا إن كان إمامياً مصرّحاً بالمدح ، فلابأس بالتشبيه بأن يقال : الحسن كالصحيح ، وأمّا لو كان إمامياً غير مصرّح بشيء ، فلابأس بالتشبيه بأن يقال : الخبر كالصحيح .
وعلى هذا المنوال الحالُ لو كان مجهولَ الحال وكونَه إمامياً بالغلبة ، وأمّا لو كان ۳ امامي غير مصرّح بشيء فلايصحّ التشبيه بالصحيح ، لكن لابأس بأن يقال : الخبر كالموثّق .
وعلى هذا المنوال الحال لو كان مجهول الحال ، ولم نقل بكونه إمامياً من جهة الغَلَبة .
وبالجملة ، فالاختلال إن كان من جهة بعض الجماعة ، فالحديثُ من الموثّق كمامرّ ، لعدم اختلافِ الحالِ في صورة كون الاختلال من جهة بعض الجماعة على القول بدلالة نقل الإجماع على توثيق مَنْ فَوْقَ الجماعةِ وعدمه .
وإن كان من جهة بعض الجماعة على القول بدلالة نقل الإجماع ، فالبعض إمّا من رجال الصحيح أو الموثّق أو الحسن أو القويّ أو الضعيف ، فالحديث على الأوّلين من الموثّق كما سبق ، وعلى الرابع من القويّ ؛ ولايصحّ التشبيه بالصحيح في شيء .
نعم ، على الرابع يصحّ أن يقال : القويّ كالموثّق ، وعلى الثالث يصحّ التشبيه بأن يقال : الحسن كالصحيح ، وعلى الأخير فإن كان إمامياً غيرمصرّحٍ بشيء فيصحّ التشبيه بأن يقال : الخبر كالصحيح ، وكذا الحال لو كان مجهول الحال لولم نقل بكونه إمامياً من جهة الغلبةِ . وإن كان غيرَ إمامي غَير مصرّح بشيء فيصحّ التشبيه ، لكن لابالصحيح ، بل بالموثّق بأن يقال : الخبر كالموثّق ، وكذا الحال لو كان مجهول الحال ، لو لم نقل بكونه إمامياً من جهة الغَلَبة .
وإن قلنا بعدم دلالة نقل الإجماع على العدالة رأساً ، فالحال بالنسبة إلى مَنْ فَوقَ الجماعة كما ذكر ، على القول بالدلالة على توثيق الجماعة فقط . وأمّا بالنسبة إلى الجماعة ، فإن كان غير إمامي مصرّحاً بالتوثيق ، فالحديث من الموثّق ولايصحّ التشبيه كما ذكر على القول بالدلالة ۴ على توثيق الجماعة فقط لو كان بعضُ مَنْ فَوقَ الجماعةِ غير إمامي غير مصرّح بشيء ، بل تقدّم عدمُ صحّة التشبيه لو كان بعضُ الجماعةِ مصرّحاً بالتوثيق على القول بدلالة نقل الإجماع على توثيق الجماعة ومَن فَوقهم . وإن كان غيرَ إمامي غيرَمصرّح بشيء ، فلايصحّ التشبيه
بالصحيح . نعم ، يصحّ أن يقال : القويّ كالموثّق . وإن كان غير إمامي مصرّحاً بالمدح فلايصحّ التشبيه بالصحيح أيضاً . فالحال على الأخيرين على منوال ما لو قلنا بدلالة نقل الإجماع على توثيق الجماعة فقط ، وكان الاختلال من جهة بعضِ مَنْ فَوقَ الجماعة .
وتلخيص المقال : أنّه إن قلنا بدلالة نقل الإجماع على توثيق الجماعة ومَنْ فَوقَهم ، فالحديث بالنسبة إلى الجماعة من الموثّق ، وبالنسبة إلى مَنْ فَوقَهم من الصحيح ، أو الموثّق ، أو محلّ الإشكال .
وإن قلنا بالدلالة على توثيق الجماعة دون مَنْ فَوقَهم ، فالحديث بالنسبة إلى الجماعة من الموثّق أيضاً . وأمّا بالنسبة إلى مَنْ فَوقَ الجماعة ، فالحديث إمّا من الموثّق ، أو الحَسَن كالصحيح ، أو الخبر كالصحيح ، أو الخبر كالموثّق .
وإن قلنابعدم الدلالة على التوثيق رأساً ، فالحديث بالنسبة إلى من فوق الجماعة كما ذكر ، بناءً على الدلالة على توثيق الجماعة فقط . وأمّا بالنسبة إلى الجماعة ، فالحديث إمّا من الموثّق ، أو القويّ كالموثّق .
فإذن الكلامُ الخالي عن الكلام أن يعبّر بالمعتَبر ؛ لنقل الإجماع من الكشّي ، أو بالرواية المجمع على تصحيحها ، أو بالمعتَبر ؛ لنقل الإجماع ، أو بالمجمع على تصحيحه ، أو بالمعتبر أو بمثل ذلك . لكنّ التعبير بالثاني أو الرابع إنّما يتمّ على الإطلاق على القول بكون التصديق في الطبقة الأُولى بمعنى التصحيح .
وبما سَمِعْتَ تعلمُ أنّه في صورة تطرّق الإرسال مثلاً على الجنب الفوقاني يجري على التشبيه بالصحيح أيضاً مَن جرى على التشبيه بالصحيح ، فيقول : المرسَل كالصحيح ، كما أنّ مَن جرى على التعبير بالصحيح أو بالصحّي يجري هنا أيضاً على التعبير بهما .
ثمّ إنّ الصور المتنازع فيها إنّما كانت مبنيّة على كون رجال الجنب التحتاني من رجال الصحيح كمامرّ التصريح به ، ولامجال للكلام لو كان بعضُ الرجال
المشار إليهم من رجال الضعيف . وأمّا لوكان من رجال الموثّق أو الحَسَن أو القويّ فيبلغ أقسامه إلى خمسة وأربعين ، بناءً على كون أنفس الجماعة بين حالات ثلاث بملاحظة ضرب الحالات الثلاث المذكورة في من دونَ الجماعةِ في الحالات الثلاث التي لأ نفس الجماعة ، وضربِ الكلّ في الحالات الخمس التي لرجال مَنْ فَوقَ الجماعة .
فلوكان بعضُ رجال مَنْ دونَ الجماعةِ من رجال الموثّق ، فإن كان بعضُ الجماعةِ من رجال الصحيح ، فيقال : الخبر كالموثّق ، والموثّقُ لو كان بعضُ رجال من فوق الجماعة من رجال الموثّق أو الصحيحِ أو الحسنِ بناءً على كون الموثّق أخسَّ من الحَسَن ، والحسنُ كالموثّق لو كان بعض رجال مَنْ فَوقَ الجماعة من رجال الحَسَن ، بناءً على كون الحَسَن أخسّ من الموثّق .
وعلى هذا المنوال الحالُ لو كان بعضُ الجماعةِ من رجال الموثّق .
وإن كان بعضُ الجماعة من رجال القويّ ، فيقال : الخبر كالموثّق ، والقويّ كالموثّق في أربع صور .
وإن كان بعضُ الجماعة من رجال الضعيف ، فيقال : الخبر كالموثّق مطلقاً .
ولو كان بعض رجال من دون الجماعة من رجال الحَسَن ، فإن كان بعضُ الجماعةِ من رجالِ الصحيح ، فيقال : الخبر كالحَسَن ، والقويُّ كالحَسَن ، والحسنُ لوكان بعضُ رجال مَنْ فَوقَ الجماعةِ من رجال الصحيح أو الحَسَن أو الموثّق ، بناءً على كون الحَسَن أخسّ من الموثّق ، والموثّقُ كالحسن لو كان بعضُ رجالِ مَنْ فَوقَ الجماعة من رجال الصحيح أو الحسن أو الموثّق ، بناءً على كون الموثّق أخسّ من الحَسَن .
وإن كان بعضُ رجالِ الجماعةِ من رجالِ الموثّق ، فيقال : الخبر كالحَسَن أو كالموثّق ، على الخلاف في كون الحَسَن أخسّ من الموثّق أو بالعكس ، والقويُّ كالحَسَن أو كالموثّق ، على الخلاف المذكورِ ، والحَسَنُ أو الموثّقُ على الخلافِ
المذكورِ لوكان بعضُ رجالِ مَنْ فَوقَ الجماعة من رجال الصحيح أو الحَسَن أو الموثّق .
وإن كان بعضُ الجماعة من رجال القويّ ، فيقال : الخبر كالقويّ ، والقويُّ في أربع صور .
وإن كان بعض الجماعة من رجال الضعيف ، فيقال : الخبر كالقويّ مطلقاً .
ولو كان بعضُ رجال مَنْ دُونَ الجماعة من رجال القويّ ، فيقال : الخبر كالقويّ ، والقويُّ في أربع صور أيضاً ، سواء كان بعض الجماعة من رجال الصحيح أو الموثّق أو القويّ أو الضعيف .

1.انظر رجال النجاشي : ۳۰۰ / ۸۱۷ ، ورجال الكشّي ۲ : ۸۶۰ / ۱۱۱۷ ، والفهرست : ۱۲۰ / ۵۴۵ ، ورجال الشيخ : ۳۴۰ / ۲۸ .

2.انظر رجال النجاشي : ۱۳ / ۸ ، والفهرست : ۱۸ / ۶۲ ، ورجال الكشّي ۲ : ۶۴۰ / ۶۶۰ .

3.في «د» زيادة : «غير» .

4.في «د» : «بدلالة نقل الإجماع» .

صفحه از 194