رسالة في أصحاب الإجماع - صفحه 139

[التنبيه] الثالث : [قد يكون الحكم المستفاد] [من بعض روايات الجماعة مخالفا للإجماع]

أنّه قد يكون الحكم المستفاد من بعضِ روايات الجماعة مخالفاً للإجماع ، ولاتَنافي بين هذا الإجماع والإجماع على اعتبار رواياتهم ، بناءً على دلالة نقل الإجماع المتقدّم على اعتبار الرواية بالدلالة على مطلق الصحّة ، أو الصحّة من جِهة وثاقة الجماعة ومَنْ فَوقَهم ؛ لإمكان التقيّة وغيرها ممّايحتمل حَمْل مَتْن الحديث عليه من خلاف الظاهر .
نعم ، لووقع الاتّفاق على عدم صدور بعض روايات الجماعة (يتأتّى التنافي ، لكنّ هذا الإجماع مقدّم ؛ لتقدّم القطعي على الظنّ ، بل الخاصّ على العامّ ، إلاّ أنّ هذا الفرض بمكانٍ من البُعدِ عن الوقوع به ، ولايرتفعُ الظنُّ عن نقل الإجماع المتقدّم ، ولو يحصّل الظنَّ بعدم صدور بعض روايات الجماعة) ۱ في بعض الموارد ، فعليه المدار وبه الاعتبار .

[التنبيه] الرابع : [إشكال على التمسّك بالإجماع المنقول المتقدّم]

أنّه ربّما يشكل التمسّك بالإجماع المنقول في حقّ الستّة المختلف فيها ، حتّى الاثنين المنقولِ في حقّهما الإجماع في كلام الكشّي ۲ ؛ لعدم ثبوت الإجماع في حقّهم من جهة وقوع الاختلاف .
إلاّ أن يقال : إنّ هؤلاء الستّةَ وإن كان يظهر بادئَ الرأي وقوعُ الخلاف فيهم ، لكن بعد التأمّل يظهر أنّه لاخلافَ فيهم أيضاً ، بل بعضُهم ادّعى وقوعَ الإجماع في بعض هؤلاء ، وبعضهم في بعضٍ آخَرَ منهم ، وليس كلّ واحد منهم ينفي ما ادّعاه الآخر ، بل غايته عدم العلم به ، فإنّ الظاهرَ من نقل الكشّي قولَ غيره وعدمِ تمريضِ القولِ وإبطالهِ أنّه لايعتقدُ بطلانه ، بل إنّ قوله غير ثابت عنده ، وظاهرٌ أنّ عدمَ الثبوتِ عند بعضٍ لايقدَحُ في ادّعاء الآخر ؛ لجواز ثبوت الإجماع عند بعضٍ وعدمِ ثبوتهِ عند آخَرَ .
مع أنّ الكشّي حكى في ترجمة فَضالة عن بعض الأصحاب دعوى الإجماع في حقّه ۳ ، وحكايته هذه خالية عن الدلالة على التمريض بالكلّيّة ، ولادلالة فيها عليه بلامِرية .
هذا في الأربعة المنقول في حقّهم الإجماع في كلام الأبعاض الثلاثة على مانقله الكشّي .
وأمّا الاثنان المنقول في حقّهما الإجماع من الكشّي ، فالإجماع المنقول في حقّهما من الكشّي خالٍ عن المعارض بالكلّيّة ؛ إذ لامجالَ لاحتمال التمريض ؛ حيث إنّ من قال المراديَ مكانَ الأسدي لم يذكر الأسدي ، فيحكيَ المرادي حتّى يتأتّى احتمال التمريض ، بل قد اقتصر في الذكر على ذكر المرادي .
إلاّ أن يقال : إنّه يمكن أن يكون الإجماع المنقول في كلام الكشّي قد نقله بعض آخر ممّن سبق على الكشّي أيضاً ، فنقل الإجماع على الأسدي ثمّ جاء بعض آخر وذكر المرادي ، وقال : وقيل : الأسدي مكان المرادي .
إلاّ أن يقال : إنّه بعيد ، والظاهرُ أنّ البعضَ الذي نقل عنه الكشّي نقل الإجماع قد اقتصرَ على ذكر من ذكره ، فيكون الاثنان والعشرون قد نقل في حقّهم الإجماع ، ولارادّ له ؛ فيجب قبوله .
ويمكن أن يقال : إنّ الإجماع المنقول في حقّ الاثنين في كلام الكشّي وإن كان الظاهرُ خلوَّه عن التمريض ، لكنّ الإجماعَ المنقولَ في حقّ الأربعة في كلام الأبعاض وإن كان دلالةُ كلامِ الكشّي على تمريضه غيرَ ثابتة ، لكنّ دلالتَهُ على التمريضِ ۴ لاتكون ثابتة العدم ؛ فيضعف نقل الإجماع من الأبعاض ؛ لصيرورته مشكوكاً فيه بواسطة الشكّ في دلالة كلام الكشّي على التمريض .
بل لو سلّمنا ثبوتَ عدمِ الدلالة على التمريض ، فنفسُ عدمِ ثبوتِ الإجماعِ عند الكشّي مع كونه من أهل الخبرة توجبُ ضعفَ دعوى الإجماع من الأبعاض ، فلايتّجه الاستناد إليه .
ويمكن الذبّ عنه : بأنّ غاية مايُتصوّر في الباب دلالة كلام الكشّي على تمريض نقل الإجماع من الأبعاض ، لكنّ الظاهر أنّ مرجع الضمير في قوله : «وقال بعضهم» في الطبقة الأُولى هو العِصابة ، والمقصود بهم علماء الرجال ، وفي الطبقة الثالثة هو الأصحاب المقصود بهم أيضاً علماء الرجال ، فالظاهرُ أنّ الأبعاض المحكيّ عنهم نقل الإجماع من أهل الخبرة والبصيرة ، بل الظاهرُ من اعتداد الكشّي بهم في نقل قولهم كونُهم ممّن يُعتمدُ عليه ، ومن البعيد الاشتباه من أهل الخبرة في نقل الإجماع ـ المقصود به اتّفاق الجميع كمامرّ ـ في أصل الاتّفاق بأن لم يكن قول بما نُقل عليه الاتّفاق رأساً ، بل غاية الأمر الاشتباه في اتّفاق الوصف ، أعني اتّفاق الجميع ، فالظاهر ثبوت اتّفاق الأكثر أو الكثير ، فالظاهر ثبوت الشهرة ، وهو يكفي في المقام .
وربّما يشكل التمسّكُ بدعوى الإجماع ممّن حكى عنه الكشّي نقل الإجماع أيضاً ، من جهة أنّ التعويل على نقل الإجماع إنّما يَتْبَعُ التعويل على الناقل ، وهو موقوف على المعرفة بحاله ، وناقلُ الإجماعِ هنا مجهولُ الحال .
ويندفع بما يظهر ممّا مرّ من أنّ الظاهر من كلام الكشّي كون الناقل من أهل
الخبرة والبصيرة ؛ لظهور رجوع الضمير إلى العِصابة والأصحاب ، كما أنّ اعتداد الكشّي بالناقل في نقل قوله يقتضي كونَه ممّن يُعْتَمَدُ عليه ، فالظاهر أنّ نقل الإجماع صَدَرَ من أهل الخبرة والبصيرة في الرجال ، وهو يوجب الظنّ ، وفيه الكفاية في المقام ، بل لاأقلّ في المقام ـ بعد ظهور كون الناقل من أهل الخبرة والبصيرة ـ من حصول الظنّ بالشهرة ، وفيه الكفاية في المقام ؛ فغاية الأمر أنّ الجهل بحال الناقل يمانعُ عن حصول الظنّ بالإجماع ، لكن بعد ظهور كونه من أهل الخبرة ، فلاأقلّ من الظنّ بالشهرة ، وفيه الكفاية .

1.ما بين القوسين ليس في «د» .

2.رجال الكشّي ۲ : ۵۵۶ / ۱۰۵۰ .

3.رجال الكشّي ۲ : ۸۳۰ / ۱۰۵۰ .

4.في «د» زيادة : «بل لوسلّمنا ثبوت عدم الدلالة على التمريض» .

صفحه از 194