رسالة في أصحاب الإجماع - صفحه 28

[المراد من لفظة «هؤلاء»]

وتحرير المقال على وجه الكمال أن يقال : إنّ «هؤلاءِ» في الطبقةِ الأُولى إمّا أن يكون إشارة إلى الفقهاء ، أو يكونَ إشارة إلى الفقهاء الستّة .
وعلى الأوّل : لاينحصر الإجماع ولاالفقهاء في الستّة .
وأمّا على الأخير : فينحصر الإجماعُ في الستّة دون الفقاهة .
وعلى الأوّل : الغرضُ من التعبيرِ بالأوّلين هو عدمُ سبقِ الفقهاءِ في الأئمّة السابقين عليهم السلام ، فالغرضُ الأوّليةُ في الفقاهة ، ويمكنُ أن يكونَ التعبيرُ المذكورُ بملاحظة الفقهاء في الطبقتين الأخيرتين ، فالغرض الأوّلية في باب الإجماع ، ويمكن أن يكون الغرض من الأوّلية هو الأوّليةَ في الفقاهة والإجماع معاً .
وعلى الأخير : الغرض الأوّلية بالنسبة إلى الطبقتين الأخيرتين ، لكنّه بالنسبة إلى الستّة ، أي الأوّلية في الإجماع ، وإن أمكنَ على البُعد أن يكونَ الغرضُ الأوّليةَ في الفقاهةِ أو مع الأوّلية في الإجماع .
وعلى أيّ حال ينافي رجوعَ «هؤلاء» إلى الستّة قولُه : «فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة» ؛ إذ توصيف الستّة بالأوّلية ينافي كون الستّة أفقهَ الأوّلين .
وأمّا الطبقة الثانية : ف «هؤلاء» فيها أيضاً إمّا أن يكون إشارة إلى الفقهاء ، أو يكون إشارة إلى الستّة .
لكن على الأوّل إن كان قوله : «من دون أُولئك» تابعاً وكذا قوله «ستّة» فينحصر الإجماع والفقاهة في الستّة ، وإن كان قوله : «من دون أُولئك» خبراً مقدّماً لقوله : «ستّة» لايتأتّى انحصار الإجماع ولاالفقاهة ، لكن لابأسَ بالوجه الأخير لوكان المقصود بقوله : «من دون» هو النقص في الرتبة ، وأمّا لو كان الغرضُ المغايرةَ بأن كان قوله المذكور بمعنى «من غير» فلاوجه للوجه المشار إليه .
وأمّا على الأخير : فيتأتّى انحصارُ الإجماعِ دونَ الفقاهةِ .
وأمّا الطبقةُ الأخيرة : ف «هؤلاء» فيها أيضاً إمّا أن يكونَ إشارة إلى الفقهاء ، أو يكون إشارة إلى الستّة .
و«هم» على الأوّل راجع إلى الفقهاء . وعلى الأخير راجع إلى هؤلاء .
وعلى الأوّل ينحصرُ الإجماعُ والفقاهة في الستّة . وأمّا على الأخير فينحصر الإجماع في الستّة دونَ الفقاهةِ .
فعلى تقدير رجوع «هؤلاء» إلى الفقهاء لاينحصر الإجماع ولاالفقاهة في الطبقة الأُولى ، وينحصران في الطبقة الأخيرة ، ويتأتّى الانحصارُ على وجهٍ دون وجه بملاحظة حال «من دون أُولئك» و«ستّة» في الطبقة الثانية .
وأمّا على تقدير الرجوع إلى «ستّة» فينحصرُ الإجماعُ والفقاهةُ في الطبقة الأخيرة فلايختلفُ الحالُ مع الرجوع إلى الفقهاء وينحصرُ الإجماعُ دونَ الفقاهةِ في الطبقتين الأُوليين .
فعلى تقدير رجوع«هؤلاء» إلى «الستّة» ينحصرُ الإجماع ـ بخلاف الفقاهة ـ في الستّة في جميع الطبقات .
وأمّا على تقدير الرجوع إلى الفقهاء فلاينحصرُ الإجماعُ ولاالفقاهةُ في الستّة في الطبقة الأُولى ، وينحصران في الطبقة الأخيرة ، ويختلفُ الحالُ بملاحظة قوله : «من دون أُولئك» وقوله : «ستّة» في الطبقة الثانية .
وعلى أيّ حال لاتظهر ثمرةٌ في انحصار الفقاهة في الستّة وعدمه في الطبقة الأخيرة؛ لاختصاص الإجماع فيها بالستّة بلاإشكال بخلاف الطبقتين الأُوليين ، ويظهر الحال بما مرّ .
قوله : «وأحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
عن أكثر نسخ كتاب الكشّي أنّه المعروف ۱ بالبزنطي ۲ ، وهو المذكور في كلام النجاشي ۳ ، وفي الخلاصة والإيضاح : البزنطي بفتح الباء المنقّطة تحتها نقطة ، وفتح الزاي وإسكان النون وكسر الطاء المهملة ۴ ، وعن السرائر : «البزنط : ثياب معروفة» ۵ .
قوله : «وفضالة بن أيّوب»
قد احتمل فيه بعض الأعلام وجهين :
أحدهما : أن يكون عطفاً على الحسن بن عليّ بن فضّال .
واحتمل عليه وجهين :
أن يكون المراد قال بعضهم مكان الحسن بن محبوب : [الحسن بن] ۶ عليّ بن فضّال . وقال بعض آخَر مكانه : فضالة بن أيّوب .
وأن يكون في العبارة حذف وتقدير ، أي : قال بعضهم مكان الحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر : الحسن بن عليّ بن فضّال ، وفضالة ، بأن يكون الأوّل في مكان الأوّل ، والثاني في مكان الثاني .
وثانيهما : أن يكون عطفاً على «مكان» في قوله : «وقال بعضهم مكان الحسن» أي قال بعضهم : فضالة أي : إنّه ممّن أجمعت العِصابة على تصحيح مايصحّ عنه ، أي : زاده ذلك البعض على الستّة المذكورة ، وهو يصحّ على تقدير ذكر ابن محبوب وابن فضّال .
فاستظهر الاحتمالَ الأخير بالأخرة ؛ تعليلاً بقوله : «وقال بعضهم مكان فضالة» قال : وإن كان الاحتمال الأوّل لايخلو عن ظهور ۷ .
أقول : إنّ ما ذكره يرجع إلى ثلاث احتمالاتٍ كلُّها فاسدةٌ باطلةٌ .
أمّا الأوّل : فلأنّ مقتضى عطف فضالة بن أيّوب على الحسن بن عليّ بن فضّال أن يكون البعضُ الذي قال مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن عليّ بن فضّال متّحداً مع البعض الذي قال مكان الحسن بن محبوب : فضالة بن أيّوب ، فتغايرهما ـ كما هو مقتضى كلامهِ ـ باطلٌ جدّاً ، مع أنّه غيرُ ملائمٍ لقولِ الكشّي بعد ذلك : «وقال بعضهم مكان فضالة : عثمان بن عيسى» والحسن بن محبوب قد أبدل عنه تارة الحَسَن بن عليّ بن فضّال وأُخرى فضالة بن أيّوب ، وليس نسبة الإبدال إلى فضالة أولى من نسبته إلى ابن فضّال ، فهي من باب الترجيح بلامرجّح .
وأمّا الثاني : فلما فيه من ارتكاب خلافِ الظاهرِ من دون قيام قرينةٍ تساعده ،
فهو جزاف صِرف ، مع أنّه غيرُ ملائمٍ أيضاً لقول الكشّي بعد ذلك : «وقال بعضهم مكان فضالة : عثمان بن عيسى» ؛ إذ على ذلك فضالة بدل عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، ومعنى جعلِ عثمان بن عيسى مكان فضالة على ذلك هو جعلُ عثمان مكان أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، فكان المناسبُ على ذلك أن يقال : وقال بعضهم مكان أحمد بن محمّد بن أبي نصر : عثمان بن عيسى .
وبوجهٍ آخَرَ : على ذلك فضالة بدلٌ عن أحمد ، فكان المناسبُ جعْلَ عثمان بدلاً عن أحمد ، لاعن بدله أعني فَضالة ؛ لما فيه من سلوك أبعد الطريقين ، فَبَدلُ البدلِ ۸ وإن كان بدلاً عن ذلك الشيء ، إلاّ أنّ جعله بدلاً عنه أولى من جعلهِ بدلاً عن بدلهِ ؛ لما فيه من تكلّفٍ ظاهرٍ وتعسّف بيّن ، فلاخَفاءَ في فَسادِ هذا الوجه أيضاً .
وبما ذَكَرنا يظهرُ وجهٌ آخَرُ لفساد الوجه الأوّل غير ما مرّ ؛ لأنّه غيرُ ملائمٍ أيضاً لقوله : «وقال بعضُهم مكان فضالة : عثمان بن عيسى» ؛ إذ على ذلك فضالة بدل عن الحسن بن محبوب ، فكان المناسب جعلَ عثمان بن عيسى بدلاً عنه ، لابَدَلاً عن بَدَلهِ ، أعني فضالة ، وهذا هو الوجه في جعله الوجهَ الأخير أظهرَ من الوجهِ الأوّل ؛ لعدم لزوم ذلك المحذور فيه ، كما لايلزم فيه محذور الخلاف اللازم على الوجه الثاني .
وأمّا الثالث : فلأنّه إن كان المقصودُ اتّحادَ البعض في المعطوف والمعطوف عليه ـ أي كان مَنْ قال مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن عليّ بن فضّال هو من زاد فضالة ـ ففيه : أنّه لاوجه للحكم بالاتّحاد هنا ، وبالتغاير في الوجه الأوّل ، مع أنّه على هذا لو جُعل العطف على الحَسَن ، فمفاده متّحد مع جعل العطف على «المكان» والأوّل أنسب ؛ لما في الأخير من لزوم عطف المفعول به على المفعول فيه .
وإن كان المقصودُ تغاير البعض في المعطوف والمعطوف عليه ـ كما هو الظاهر ـ فيظهر فساده بمامرّ في فساد الوجه الأوّل ، مع لزوم عطف المفعول به على المفعول فيه أيضاً ، كما سمعت آنفاً .
ومع ذلك كلّه ، فقوله : ۹ «وهو يصحّ على تقدير ذكر ابن محبوب وابن فضّال» . فيه : أنّه لاحاجةَ في صحّة ماذكره إلى ذِكْر ابن فضّال ، بل لاوجه لذكره ؛ حيث إنّ مفادَ ماذكره أنّ البعضين المتغايرين ـ كما هو الظاهر من كلامه ـ تصرّف كلّ منهما في الستّة بوجهٍ ، فتصرّفَ بعضٌ بالإسقاط والإبدال ، وتصرّف بعضٌ آخَرُ بالزيادة فقط ، ولايقتضي هذا زيادةَ ابن فضّال .
والظاهر أنّ قوله ۱۰ : «وابن فضّال» من باب سهو القلم، كيف؟ بزيادة واحد على ستّة لايبلغ العدد ثمانية ، ومقتضى كلامهِ أنّ العددَ يبلغُ بالزيادة المذكورة ثمانيةً . نعم،دعوى توقّف صحّة زيادةِ فضالة على الستّة على ذكر ابن محبوب في المحلّ.
هذا كلّه مبنيّ على أنّه ادّعى توقّف صحّة المعنى على زيادة ابن فضّال ، وإلاّ فلو كان ادّعى احتمال كون المقصود زيادةَ فضالة على السبعة ، أي الستّة الأصليّة مع ابن فضّال البدلي ، لسلم ممّا ذكر ، وإن كان فاسدا أيضاً . وبالجملة ، فلامجالَ لصحّة شيء من الوجوه المذكورة .
نعم ، الظاهرُ أنّ قوله : «وفضالة بن أيّوب» عطفٌ على الحَسَن بن عليّ بن فضّال ، كما هو المدار في الوجه الأوّل ، لكن مع اتّحاد البعض في المعطوف والمعطوف عليه .
فالمرادُ أنّ بعضَهم قال مكان الحسن بن محبوب اثنين : الحسنَ بن عليّ بن فضّال ، وفضالة بن أيّوب ، وبعضهم قال مكان فضالة : عثمان بن عيسى ، بمعنى أنّ هذا البعضَ جَعَلَ مكانَ الحسنِ بن محبوب اثنين أيضاً ، لكنّه قال : إنّهما
الحَسَن بن عليّ بن فضّال ، وعثمان بن عيسى ، فكلّ من البعضين المبدلين أبدل اثنين عن واحدٍ ، لكن باتّفاقهما في واحد من الاثنين والاختلاف في آخَرَ.
والظاهر أنّ عدمَ احتمالِ هذا الوجه من بعض الأعلام من جهة أنّ الظاهرَ تَطابقُ البدل والمبدل منه في الوحدة والتعدّد ، وعلى هذا الوجه يختلفُ الحالُ بوحدة البدل وتعدّد المبدل منه ، وهو ـ أعني ظهور تطابق البدل والمبدل منه ـ مسلّم ، وعليه جرى الأمر في الغالب ، لكنّ مقتضى العبارةِ وحدة البعض بلاإشكال ، ومقتضاه اختلاف المبدل والمبدل منه في الوحدة والتعدّد ، وعلى هذا الوجه يختلفُ الحالُ بحسب الوحدة والتعدّد .
وهو ـ أعني الكشّي ـ قد حكى في ترجمة فضالة ، عن بعض الأصحاب ، أنّه ممّن أجمعَ أصحابُنا على تصحيح ما يصحّ عنهم ، وإقرارَهم لهم بالفقه ۱۱ .
فمحصولُ كلامهِ أنّ الأصحاب أجمعوا على قبول أخبار ثمانية عشر رجلاً من الرواة ، ستّةٌ منهم من أصحاب الباقرين عليهماالسلام ، وستّةٌ منهم من أصحاب الصادق عليه السلام ، وستّةٌ منهم من أصحاب الكاظمين عليهماالسلام ، وأنّ ستّة عشر منهم لاخلافَ في وقوع الإجماع في حقّهم ، لكن وقع الخلاف في اثنين منهم ؛ واحدٌ في الطبقة الأُولى ، وواحدٌ في الطبقة الثالثة ، فعنده أنّهما أبو بصير في الطبقة الأُولى ، والحسن بن محبوب في الطبقة الثالثة . وعند بعضٍ أنّ مكان الأوّل أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري . وعند بعضٍ آخر أنّ مكان الثاني الحسن بن عليّبن فضّال وفضاله بن أيّوب . وعند بعض ثالث أنّ مكان فضالة عثمان بن عيسى.
فالبعضان الأخيران متّفقان على أنّ العددَ في الطبقةِ الثالثة سبعة ، وأنّهما متّفقان ـ بعدَ الاتّفاقِ على إسقاطِ الحسن بن محبوب ـ على زيادة الحسن بن عليّ بن فضّال على ما ذكره الكشّي ، لكنّهما اختلفا في ازدياد فضالة وعثمان ،
فأحدهما زاد الأوّل ، والآخر زاد الأخير .
فلاخلافَ في الطبقة الثانية عدداً وشَخْصاً ، ووقع الخلافُ في الطبقة الأُولى شخصاً لاعدداً ، ووقع الخلاف في الطبقة الثالثة عدداً وشخصاً ؛ فمجموعُ الأشخاص اثنان وعشرون، ستّة عشر منهم لاخلافَ في وقوع الإجماعِ في حقّهم، وستّة منهم محلّ الخلاف : اثنان من الطبقة الأُولى ، وأربعة من الطبقة الثالثة .

1.في «ح» : «أنّه المعروف بابن البزنطي وعن بعضها أنّه المعروف بالبزنطي» .

2.انظر رجال الكشّي ۲ : ۸۵۲ / ۱۰۹۹ ، و ۱۱۰۰ ، و۱۱۰۱ .

3.رجال النجاشي : ۷۵ / ۱۸۰ .

4.خلاصة الأقوال : ۱۳ / ۱ ؛ إيضاح الاشتباه : ۹۵ / ۴۴ .

5.السرائر ۳ : ۵۵۳ .

6.لم يذكر «الحسن بن» في «ح» و «د» والظاهر أنّه سقط ، والصحيح ما أثبتناه .

7.نقله نجله في سماء المقال ۲ : ۳۱۳ عن جدّه السيّد العلاّمة .

8.في «ح» زيادة : «عن الشيء» .

9.أي قول بعض الأعلام وقد تقدّم في ص ۳۱ وهو قول جدّه السيّد العلاّمة .

10.أي قول بعض الأعلام الوارد في ص ۳۱ .

11.رجال الكشّي ۲ : ۸۳۰ / ۱۰۵۰ .

صفحه از 194